للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر بعض أهل الأصول في هذا الفصل خلافاً:

فقال (١) بعضهم: لا يجوز النسخ في المؤبد.

وقال عامة أهل الأصول بأنه يجوز.

ولكن لا خلاف في الحقيقة عند التأمل، لأن من قال بالجواز اعتماده على أن الأبد اسم لجميع العمر، فمتى جاء النسخ تبين أن الأبد ذكر وأريد به بعض ما يتناوله اسم الأبد، كقوله تعالى: "فاقتلوا المشركين" (٢) يتناول جيمع المشركين، فمتى خص منه أهل الذمة كان المراد من اللفظ العام بعضه، ولا فرق إلا أن هذا تخصيص بعص الأعيان، وذلك (٣) تخصيص بعض الأزمان.

والفريق الأول يقولون بالتخصيص ولكن مرادهم بهذا أن الأبد متى كان منصوصاً، وهو مراد الله تعالى، لا يجوز نسخه لا أنه يؤدي إلى البداء، ولأن النسخ غير التخصيص، فإن النص المطلق وإن كان ظاهره الدوام، لا بموجب الصيغة، ولكن بدليل (٤) آخر، والنص المؤبد متناول لجميع الأزمان من حيث اللفظ. فإذا جاء الناسخ في المطلق انتهي الحكم الثابت في الماضي (٥) للحال وتبين أن المستقبل ما كان ثابتاً. وإذا جاء التخصيص في الزمان المؤبد بقي الحكم فيما وراء المخصوص ثابتاً، وفي المستقبل تبين أنه غير مراد، فأنى يتشابهان؟

وأما الإخبار - هل هو محل النسخ أم لا (٦)؟ فهذا على وجهين:


(١) في ب: "فقال: قال بعضهم".
(٢) سورة التوبة: ٥: " {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ... ". وفي الأصل و (ب): "اقتلوا المشركين".
(٣) في ب: "وذاك".
(٤) في ب: "لدليل".
(٥) كذا في ب. وفي الأصل: "انتهى الحكم في الثابت الماضي".
(٦) راجع فيما تقدم ص ٧٠٧ وما بعدها.