للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألصانع وتوحيده ونحو ذلك، أليس أن المجتهد فيه يكون مصيباً إذا وجده، ويكون مخطئاً إذا لم يصبه. وأما في الحسيات: فإن الرماة إذا وجهوا السهام إلى الهدف وقصدهم إصابته، فكل من صادف سهمه الهدف يكون مصيباً، وكل من لم يصادف سهمه الهدف يكون مخطئاً، لما قلنا - كذلك هذا. وهذا وصف لا نزاع فيه. وإنما الشأن في هذا أن الحق في الشرعيات واحد متعين عند الله تعالى أو حقوق؟ ودلالة ذلك أن المعنى الذي به كان الحق واحدًا في العقليات، ذلك المعنى موجود في الشرعيات. وذلك المعنى وهو أن القول يكون العالم قديماً محدثاً، والصانع موجودًا غير موجود، وهو جائز الرؤية محال الرؤية - من باب التضاد والتناقض, لأنه من أبواب النفي والإثبات، ولا يتصور الجمع بين النقيضين، فكان القول بقيام الدليل عليهما من الله تعالى نسبة السفه إليه والكذب، تعالى عن ذلك. هذا المعنى موجود في الشرعيات: فإن القول بأن الشيء الواحد حلال وحرام، صحيح وفاسد، في زمان واحد، في حق شخص واحد، بجهة واحدة، من باب التناقض - فيجب تنزيه الشرع عن ذلك، فوجب القول بكون الحق واحدًا، ضرورة، تحققه أن ورود النص من الشرع لا يجوز بالنقيضين، فكذا لا يجوز بالقياس، فإن القياس ليس إلا العمل بدلالات النصوص، فكما يجب صيانة نص صاحب الشرع عن التناقض، يجب صيانة دلالة النص عن التناقض أيضًا.

فإن قيل: نقول بموجب ما قلتم: إن القول بالتناقض لا يجوز في دلائل الشرع، ولكن الكلام في حد التناقض، وما هو حد التناقض يتحقق في العقليات لكون الحق واحدًا، وهو الجمع بين حكمين (١)، خلافين، في حق شخص واحد، في زمان واحد، بجهة واحدة، فأما في حق شخصين، وفي


(١) كانت "الحكمين" والظاهر شطب الألف واللام.