للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأن العرف يختلف بالنسبة إلى البلدان فوجب اعتباره لئلا يحكم بغنى شخص وهو فقير عند أهل بلده.

قال: (ومتى بذلوا الواجب عليهم لزم قبوله، وحرم قتالهم. ومن أسلم بعد الحول سقطت عنه الجزية. وإن مات أخذت من تركته. وقال القاضي: تسقط).

أما كون من بذل الواجب يلزم قبوله فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: «ادعهم إلى أداء الجزية فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم» (١).

وأما كونه يحرم قتالهم فلقوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله -إلى قوله: - حتى يعطوا الجزية} [التوبة: ٢٩] جعل إعطاء الجزية غاية لقتالهم. فمتى بذلوا الجزية حرم قتالهم لذلك، ولما تقدم من الحديث.

وأما كون من أسلم بعد الحول سقط عنه الجزية فلأن الله تعالى قال: {قُل للذين كفروا إن ينتهوا يًغفر لهم ما قد سلف} [الأنفال: ٣٨].

وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليس على المسلم جزية» (٢) رواه الخلال.

وروي عن عمر أنه قال: «إن أخذها في كفه ثم أسلم يردها عليه».

وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ينبغي لمسلم أن يؤدي الخراج» يعني الجزية.

ولأن الجزية صَغار ولا تجب عليه كالمسلم.

ولأنها وجبت بسبب الكفر فوجب أن يُسقطها الإسلام كالقتل.

وأما كون من مات تؤخذ الجزية من تركته على المذهب فلأن الجزية دَين وجب عليه في حياته فلم تسقط بموته كدين الآدمي.

وأما كونها تسقط على قول القاضي فلأن الجزية عقوبة فسقطت بالموت كالحد.

والأول أولى؛ لما ذكر. والحد إنما يسقط لفوات محله وتعذر استيفائه بخلاف هذا.


(١) سبق تخريجه ص: ٣٤٤.
(٢) أخرجه أبو داود في سننه (٣٠٥٣) ٣: ١٧١ كتاب الخراج، باب في الذمي يسلم في بعض السنة هل عليه جزية؟ .
وأخرجه الترمذي في جامعه (٦٣٣) ٣: ٢٧ كتاب الزكاة، باب ما جاء ليس على المسلمين جزية.
وأخرجه أحمد في مسنده عنه (١٩٤٩) ١: ٢٢٣. وأخرجه عن جرير (٢٥٧٧) ١: ٢٨٥.
وأخرجه أبو عبيد في الأموال عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه (١٢١) ص: ٤٩ كتاب سنن الفيء، باب الجزية على من أسلم من أهل الذمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>