للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فصل [في المضاربة]

قال المصنف رحمه الله: (الثاني: المضاربة. وهي: أن يدفع ماله إلى آخر يتجر فيه، والربح بينهما).

أما كون الثاني من أضرب الشركة المضاربة؛ فلأنها تلي الأول. والمضاربة مشتقة من الضرب في الأرض والسفر بها للتجارة. قال الله تعالى: {وآخرُون يَضربون في الأرض يبتغون من فضلِ الله} [المزمل: ٢٠]. ويحتمل أن يكون من ضرب كل واحد منهما في الربح ويسمى قراضاً. واشتقاقه من القطع يقال: قرض الفأر الثوب أي قطعه. فكأن صاحب المال قطع من ماله قطعة وسلمها إلى العامل واقتطع له قطعة من الربح.

وقيل: اشتقاقه من المساواة والموازنة. يقال: تقارض الشاعران (١) إذا وازن كل واحد منهما الآخر بشعره. وهاهنا من العامل العمل ومن الآخر المال فتوازنا.

وأجمع أهل العلم على صحتها في الجملة.

وروى حميد بن عبدالله عن أبيه عن جده «أن عمر بن الخطاب أعطاه مال يتيمٍ مضاربة يعمل به في العراق» (٢).

وروى مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه «أن عبدالله وعبيدالله ابني عمر بن الخطاب خرجا في جيشٍ إلى العراق فتسلفا من أبي موسى مالاً وابتاعَا به متاعاً وقدمَا به إلى المدينة فباعَاهُ وربحا فيه. فأراد عمرُ أخذَ رأسِ المال والربح كله. فقالا: لو تلف كان ضمانُه علينا فَلِمَ لا يكونُ ربحهُ لنا؟ فقال رجل: يا أمير المؤمنين! لو جعلتَهُ قِراضاً. قال: قد جعلته. وأخذ منهما نصف الربح» (٣). وهذا يدل على صحة القراض.


(١) في هـ: الشاعر.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (٢١٣٦١) ٤: ٣٩٥ كتاب البيوع، في مال اليتيم يدفع مضاربة.
(٣) أخرجه مالك في الموطأ (١) ٢: ٥٢٩ كتاب القراض، باب ما جاء في القراض.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٦: ١١٠ كتاب القراض.

<<  <  ج: ص:  >  >>