للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما عدالته؛ فلأن الله تعالى قال: {إن جاءكم فاسقٌ بنبإ فتبينوا} [الحجرات: ٦]. والحاكم يجيء بقول. فلا يجوز قبوله مع فسقه كذلك.

ولأن الفاسق لا يجوز أن يكون شاهداً. فلأن لا يجوز أن يكون قاضياً بطريق الأولى.

وأما سَمعُهُ وبَصرُهُ وتكلّمُهُ؛ فلأنه لا يتمكن مع فقد هذه الحواس من الفصل بين المتخاصمين؛ لأن سماع القول لا يتمكن منه إلا بسمعه. ومعرفة المدعِي من المدعَى عليه، والمقر من المقرِّ له، والشاهد من المشهود عليه: لا يتمكن منه إلا ببصره. والحكمُ بين الخصومِ لا يتمكن منه إلا بالنطق.

وأما اجتهاده؛ فلأن فاقد الاجتهاد إنما يحكم بالتقليد، والقاضي مأمور بالحكم بما أنزل الله.

ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «القضاةُ ثلاثة: اثنان في النار وواحدٌ في الجنة: رجلٌ علمَ الحق فقضى به فهوَ في الجنة، ورجلٌ قضى للناس على جهلٍ فهو في النار، ورجلٌ جارَ في الحكمِ فهوَ في النار» (١). رواه ابن ماجة.

ولأن الحكم آكد من الفتيا؛ لأنه فُتيا وإلزام، والمفتي لا يجوزُ أن يكون عامياً مقلداً فالحاكم أولى.

وأما كون القاضي يشترطُ فيه أن يكون كاتباً على وجه؛ فلأن القاضي من أهل الكمال، والكتابة منه.

ولأنه يحتاج إلى الكتابة على ما ثبت عنده، وعلى خطوط الشهود.

وأما كونه لا يشترطُ أن يكون كاتباً على وجه؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حاكم الحكام ولم يكن كاتباً.

وأجيب عنه بأن عدم الكتابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لمعنى كان مفقوداً في غيره، وذلك يقتضي قطع الإلحاق.

قال: (والمجتهدُ: من يعرفُ من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه السلام الحقيقة والمجاز، والأمر والنهي، والمجمل والمبين، والمحكم والمتشابه، والخاص


(١) أخرجه أبو داود في سننه (٣٥٧٣) ٣: ٢٩٩ كتاب الأقضية، باب في القاضي يخطئ.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (٢٣١٥) ٢: ٧٧٦ كتاب الأحكام، باب الحاكم يجتهد فيصيب الحق.

<<  <  ج: ص:  >  >>