للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما كون ذلك مما يعتبر في العدالة؛ فلأن من فقد المروءة اتصف بالدناءة والسقاطة، وكلاهما يذهب الثقة بقول المتصف بهما.

وأما كون استعمال المروءة وهو ما ذكر المصنف رحمه الله؛ فلأن من لم يفعل ما ذُكر فعله ولم يترك ما ذُكر تركه لا مروءة له عُرفاً. فكذا شرعاً.

وأما كون شهادة المصافع ... إلى آخره لا تُقبل؛ فلأن الفاعل لشيء من ذلك لا مروءة له، وقد تقدم أنها معتبرة في العدالة.

وكلام المصنف رحمه الله مشعر بأن شهادة من ذُكر لا تُقبل؛ لعدم المروءة لأنه ذكر استعمال المروءة ثم قال: فلا تُقبل شهادة المصافع ... إلى آخره. وعندي في ذلك نظر وهو: أن المتصف بخصلة مما تقدم ذكره ينبغي أن ينظر فيما اتصف به فإن كان محرماً كان المانع من قبول شهادته كونه فاعلاً للمحرم، لا يقال فعلُ المحرم مرةً لا يمنع من قبول الشهادة؛ لأن الكلام مفروض فيمن هو متصفٌ بذلك مستمرٌ عليه، مشهورٌ به، وذلك يقتضي المداومة عليه، والمداومة على الصغيرة كالكبيرة في رد الشهادة، وإن كان ما اتصف به غير محرم كان المانع من قبول شهادته كون فعله دناءةً وسفهاً ويكون ذلك من باب فقد المروءة.

فعلى هذا لا بد من بيان من فعله دناءة وسفه من غير تحريم ممن فعله محرم فنقول: أما المصافع والمتمسخِر، ومن يأكل في السوق، ويمدّ رجليه في مجمع من الناس، ويحدّث بمباضَعته أهله: ففعل كل واحدٍ منهم دناءة وسفه من غير حرمة:

أما كونه دناءةً وسفهاً؛ فظاهر.

وأما كونه من غير حرمة؛ فلأن التحريم من الشرع ولم يرد به.

قال المصنف في المغني بعد أن ذكر الآكل في السوق ومادّ رجليه في مجمع الناس والمتمسخر والمحدث بمباضعته أهله: فإن فعل شيئاً من هذا مختفياً لم يمنع قبول الشهادة؛ لأن مروءته لا تسقط بذلك، ولو كان ذلك محرماً لكان الاختفاء به مانعاً كالإظهار؛ لاستوائهما في الحرمة.

وأما المغنّي ففعله حرام؛ لأن الله تعالى قال: {واجتنبوا قول الزور} [الحج: ٣٠]. قال ابن الحنفية: هو الغناء.

<<  <  ج: ص:  >  >>