للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= هو صحيح للمقاصد الصحيحة لإقامة الحجة ومعرفة العاقبة، ألا ترى أن الله يأمر العبد بالإيمان وقد علم انه لا يؤمن، فليس في مخالفة متعلق الأمر لمتعلق العلم ما يمنع من الأمر به عقلاً وحكماً. وهذا من نفيس العلم فيتقنوه وتقبلوه انظر ص ١٦٩ ج ٢ كتاب أحكام القرآن (سورة الأحزاب).
وقد بين الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده رحمه الله حكمة ما وقع من تزويج زيد زينب مع كراهتها لذلك وعلم النبي صلى الله عليه وسلم بأنها ستكون من أمهات المؤمنين، فقال: نرى أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الرؤوف الرحيم لم يبال بإباء زينب وغربتها عن زيد، وقد كان لا يخفى عليه أن نفور قلب المرأة من زوجها مما تسوء معه العشرة وتفسد به شئون المعيشة، فما كان له- وهو سيد المصلحين- أن يرغم امرأة على الاقتران برجل وهي لا ترضاهن مع ما في ذلك من الضرر الظاهر بكل من الزوجين. لا ريب أننا نجد من ذلك هادياً إلى وجه الحق في فهم الآية التي نحن بصدد تفسيرها. ذلك أن التصاق الأدعياء بالبيوت واتصالهم بأنسابها كان أمراً تدين به العرب وتعده أصلاً يرجع إليه في الشرف والحسب. وكانوا يعطون الدعي جميع حقوق الابن ويجرون عليه وله جميع الأحكام التي يعتبرونها للابن حتى في الميراث وحرمة النسب، وهي عقيدة جاهلية رديئة، أراد الله محوها بالإسلام، حتى لا يعرف من النسب إلا الصريح، ولا يجري من أحكامه إلا ما له أساس صحيح، لهذا أنزل الله: "وما جعل ادعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل أدعوهم لآبائهم هو اقسط عند الله" الخ.
(فهذا) هو العدل الإلهي أن لا ينال حق الابن إلا من يكون ابناً، أما المتنبي اللصيق فلا يكون له إلا حق المولى والأخ في الدين. فحرم الله على المسلمين أن ينسبوا الدعى لمن تبناه. وحظر عليهم أن يقطعوا له شيئاً من حقوق الابن لا قليلاً ولا كثير اً، وشدد الأمر حتى قال: "وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم، وكان الله غفوراً رحيماً"، فهو يعفو عن اللفظة تصدر من غير قصد بأن يقول الرجل لآخر: هذا ابني أو ينادي شخص آخر بمثل ذلك لا عن قصد التبني، ولكنه لا يعفو عن العمد من ذلك الذي يقصد منه الإلصاق بتلك اللحمة كما كان معروفا من قبل.
(مضت) سنة الله في خلقه أن ما رسخ في النفس بحكم العادة لا يسهل عليها التقصي منه ولا يقدر على ذلك إلا من رفعه الله فوق العادات، وأعتقه رق الشهوات وجعل همته فوق المألوفات، فلا يستميله إلا الحق، ولا تحكم عليه عادة، ولا يغلبه عرف، ذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم ومن يختصه الله بالتأسي به.
(ولهذا) كان الأمر إذا نهى الله عن مكروه كانت الجاهلية عليه أو أحل شيئاً كانت الجاهلية تحرمه. بادر النبي صلى الله عليه وسلم إلى امتثال النهي بالكف عن المنهي عنه والإتيان بضده، وسارع إلى تنفيذ الأمر بإتيان المأمور به حتى يكون قدوة حسنة ومثالاً صالحاً تحاكيه النفوس، وتحتذيه الهمم، وحتى يخف وزر العادة، وتخلص العقول من ريب الشبهة. =