للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(٣) من وجد ميتا بعد الحرب وليس به أثر جراحة فلا يعد شهيدا عند الحنفيين وأحمد لعدم ما يدل على قتله، خلافا لمالك والشافعي.

(٤) من رفسته دابة في حرب المشركين أو عاد إليه سلاحه أو تردى عن جبل أو في قبر في حال المطاردة، فلا يعد شهيدا، فيغسل ويصلى عليه عند الحنفيين ومالك وأحمد، لأنه لم يقتله المشركون (وقال) الشافعي: يعد شهيدا فلا يغسل ولا يصلى عليه لأنه مسلم قتل في معركة المشركين بسبب قتالهم (١).

(٥) من مات بغير حرب الكفار- كالمبطون والمطعون والغريق والغريب والميتة في الطلق ومن قتله مسلم أو غيره في غير حال القتال ونحوهم- فهؤلاء ليسوا بشهداء فيغسلون ويصلى عليهم اتفاقا. ولفظ الشهادة الوارد فيهم- كما سيأتي - المراد به أنهم شهداء الآخرة لا المعركة.

(ز) أقسام الشهداء: أقسامه ثلاثة:

... (١) شهيد الدنيا والآخرة: وهو من مات في المعركة في حرب الكفار أو البغاة على ما تقدم بيانه ولم يراء ولم يخن في الغنيمة ولم يقتل مدبرا عن القتال، وهم أحياء في البرزخ حياة خاصة.

قال تعالى: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون* فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون* يستبشرون بنعمة من الله وفضل أن الله لا يضيع أجر المؤمنين" (٢).


(١) انظر ص ١٦٧ ج ٥ مجموع النووي.
(٢) سورة آل عمران: آيات ١٦٩ و ١٧٠ و ١٧١ (قال) الجمهور حياة الشهداء حياة محققة ترد إليهم أرواحهم في قبورهم فينعمون ويرزقون من ثمر الجنة ويجدون ريحا وليسوا فيها. (وقيل) إنها حياة مجازية. والمعنى أنهم مستحقون للتنعيم في الجنة. والصحيح الأول. ولا موجب للمصير إلى المجاز لأن ما صح به النقل فهو الواقع. وقد وردت السنة بأن أرواحهم في حواصل طيور وأنهم يرزقون في الجنة ويأكلون ويتنعمون (عند ربهم) أي في كرامته فهي عندية الكرامة لا عندية المسافة والقرب. و (يرزقون) الرزق المعروف فهم يأكلون من ثمار الجنة. وقيل المراد بالرزق الثناء الجميل، والصحيح الأول لما سبق. و (فرحين بما آتاهم الله من فضله) أي هم مسرورون بما ساقه الله إليهم من الكرامة بالشهادة وما صاروا فيه من حياة طيبة وما يصل إليهم من رزق الله تعالى (ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم) أي يفرحون بما أعطاهم، وبما أعد لإخوانهم الشهداء وغيرهم الذين لم يموتوا بعد لأنهم لما عاينوا ثواب الله وما أعده الله للمسلمين وتيقنوا بحقية دين الإسلام، استبشروا بذلك لجميع أهل الإسلام وإن لم يقتلوا فهم فرحون بأنفسهم بما أعطاهم الله مستبشرين للمؤمنين بأن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. و (يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين) كرر يستبشرون للتأكيد ولبيان أن الاستبشار ليس لمجرد عدم الخوف والحزن بل به وبنعمة من الله وهي الجنة والمغفرة. والفضل من النعمة ذكر بعدها للتأكيد. وفيه دليل على اتساع النعمة وأنها ليست كنعم الدنيا، فهم يستبشرون بنعمة الله عليهم وبأن الله لا يضيع أجر المؤمنين .. وقد ورد في هذا أحاديث تقدم منها حديث مسروق عن عبد الله رقم ٣٢٥ ص ١٨٨ ج ٧ - الدين الخالص، وحديث ابن عباس رقم ٣٢٩ ص ١٩٠ منه (مصير الروح بعد خروجها).