للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(١٩) بدع رجب: قد أحدث الناس في هذا الشهر الحرام أموراً شنيعة وبدعاً ذميمة (منها) زيارة النساء المقابر في الجمعة الأولى منه وغيرها مما يعد عنهم موسماً، وهي من البدع المقبوحة والعادة المستنكرة وأي بدعة أكبر قبحاً وأعظم وزراً من بدعة جمعت مفاسد عديدة وشروراً كثيرة من انتهاك الحرمات وابتذال الأعراض وإضاعة الأموال وإيذاء الموتى وتهتك النساء واختلاطهن بالرجال مع فساد الأخلاق وانتشار الفساد وإحياء عادة الجاهلية من الندب والنياحة وشق الجيوب ولطم الخدود وصبع الوجوه والأيدي بالسواد ولا يخشين الوعيد، فيما روى ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا من شق الجيوب، ولطم الخدود، ودعا بدعوى الجاهلية" أخرجه السبعة إلا أبا داود، وقال الترمذي: حسن صحيح (١) {١٤٧}

يحل الموسم بزعمهم- رجب أو غيره- فتصير النساء لا هم لهن إلا ما يعدونه للخروج إلى المقابر من ألوان الطعام وأنواع الفواكه وطاقات الأزهار. فالغني ينفق ذو سعة، والفقير يضيع ما تحتاج إليه عياله وقد يقترض لذلك بفوائد أو يرهن متاع بيته عند المرابين، ويكثر النزاع بين المرء وزوجه وقد يؤدي إلى الفراق أو دوام الخصام والشقاق، وإذا خرجن إلى المقابر رفعت الساء أصواتهن بالبكاء، وأظهرن الحزن والجزع، وتكلمن بكلمات كفرية فيها السخط على القدر والاعتراض على الله تعالى في حكمه وقضائه، وبعد قليل توضع الموائد فوق المقابر وعلى رؤوس الموتى، ومنها يأكلون كما تأكل الأنعام ناسين الموت وسكراته، وغافلين عن الموتى وما هم فيه من ظلمة ووحشة، فإذا أكلوا انتشروا في الصحراء يتزاورون كأنهم في منازل الأحياء لا في مقابر الأموات وأماكن الخشية والاعتبار. ذلك هو الضلال البعيد، كيف لا وهذا لا يرضى الرب ولا به ترحم الموتى، بل الأمر بالعكس،


(١) تقدم رقم ٣٧٦ ص ٢١١ ج ٧ - الدين الخالص (النياحة والندب).