للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنه أميٌّ لا يكتب ولا يقرأ، كما احتجوا عليه بما رواه عبد الله بن عمر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إِنا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ) (١)، ووجهه أن المراد أهل الإسلام الذين بحضرته عند تلك المقابلة بما فيهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٢). وعليه فإن أي قول يعارض صريح الآية والحديث يجب تأويل ظاهره، والمتمسك بظاهر النصوص في الرواية معرض للزندقة والتكفير.

واستظهر أبو الوليد الباجي للأمير بقوله: لا منافاة ولا تعارض بين ما ذكره القرآن الكريم وما قررته من إجازة كتابة النبي الأميّ، انطلاقًا من مفهوم الآية السابقة، ذلك لأن الله تعالى نفى عنه التلاوة والكتابة بما قبل نزول القرآن الكريم وتقيَّد النفي بذلك، وأما بعد تحقُّقِ أميَّته، وتقرُّرِ معجزته، وأمن ارتياب أهل الكتاب، فليس فيه ما يحول دون معرفته الكتابة من غير تعليم أو معلِّم، فتصير عند ذلك معجزة ثانية (٣)، فأفحمهم بما كان يتمتع به من معرفة بأحكام الكتاب والسنة، وإنزال الأصول والأدلة منازلها.

وللوقوف على أن الأخذ بظاهر الحديث غير قادح في أمِّيَّة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل زيادة في معجزاته، استحسن أمير (دانية) إرسال هذه المسألة إلى جماعة من علماء الأمصار ليطلع على رأيهم ويتعرف على المزيد فيها، وذلك تلبية لرغبة أبي الوليد الباجي لاستظهار صدقه وصحة قوله، وجاءت موافقات العلماء لرأي أبي الوليد الباجي وتصويباتهم لنظره وتأويله، كما كانت أجوبتهم تحمل في طياتها ثناء عليه وإقرارًا بفضله وعلمه، فضلًا عن تقريع من لم يَعِ ما ذهب إليه، وتشنيعٍ لخصمه من معاصريه.


(١) أخرجه البخاري في صحيحه: ٤/ ١٢٦. ومسلم في صحيحه: ٧/ ١٩٢. وأبو داود في سننه: ٢/ ٧٣٩. والنسائي في سننه: ٤/ ١٣٩، ١٤٠، وأحمد في مسنده: ٢/ ٤٣، ٥٢، ١٢٢، ١٢٩.
(٢) انظر شرح النووي لمسلم: ٧/ ١٩٢. فتح الباري لابن حجر: ٤/ ١٢٧.
(٣) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ١٣/ ٣٥٢. فتح الباري لابن حجر: ٧/ ٥٠٣.

<<  <   >  >>