للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا، ونتيجة لانغماس الحكام وبطانتهم في الملذات وركونهم إليها وتفريطهم في المهام، وانحلالهم السياسي والاجتماعي، أن وَهَن في نفوسهم الوازع الديني، وماتت فيهم دوافع النصرة والحمية عن الإسلام، وقد كان ذلك سببًا في ظهور التعصب القبلي والجنسي وما خلفه من أضرار كبيرة بين العرب

والموالي في معارك دامية، وما تلاه من نزعة شعوبية ظهرت لتمجيد العجم والتنقيص من قدر العرب وما صاحب ذلك من الطعن في ملة الإسلام والتطاول على الشريعة المحمدية (١).

وفي هذا العصر، كان الفقهاء أكبر عضد لملوك الطوائف في تبرير طغيانهم وقهرهم، وأكبر سند في تزكية تصرفاتهم وابتزازهم لأموال الرعية، وحرصًا على النفوذ والمال، فقد كانوا يضعون تحت خدمة السلطان فتاوى فقهية مؤيدة للظلم.

والجور والاستغلال، ومبيحة للدس والمكر والاستعانة بالكفار وغيرها من المحرمات، ويدعون الناس باسم أحكام الدين وتعاليم الشريعة وفد نوَّه أبو مروان ابن حيان هذا التواطؤ الصارخ والتضامن المخزي بين الملوك والفقهاء، المؤسس على التعاون على الإثم والعدوان حيث يقول.

(ولم تزل آفة الناس مُذ خلقوا في صنفين منهم هم كالملح: فيهم الأمراء والفقهاء قل ما تتنافر أشكالهم، وبصلاحهم يصلحون، وبفسادهم يفسدون، وقد خص الله تعالى هذا القرن الذي نحن فيه من اعوجاج صنفيهم لدينا بما لا كفاية له، ولا مخلص منه، فالأمراء القاسطون، قد نكبوا بهم عن نهج الطريق ذيادًا عن الجماعة، وجريًا إلى الفرقة، والفقهاء أئتهم صموت عنهم، صدف عما أكده الله تعالى من التبيين لهم، قد أصبحوا بين آكل من حلوائهم، وخابط في أهوائهم وبين مستشعر مخافتهم، آخذًا بالتقية في صدقهم) (٢).

غير أن داخل هذا التيار الاجتماعي العاصف بكل القيم برزت مواقف


(١) دول الطوائف لعنان: ٢٠٤ - ٢٠٨.
(٢) البيان المغرب لابن عِذَارِي: ٣/ ٢٥٤. دول الطوائف لعنان: ٤٢١.

<<  <   >  >>