للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[فصل]

فإذا اعتللنا بهذا في سقوط القطع عمن سرق من غير حرز فالعلة فيه أنه ليس بسارق، فأمر الله تعالى بقطع يد السارق. وإن قلنا: إنه سارق فإنما أسقطنا القطع عنه بالسنة الثابتة، لأن السنة مفسرة للقران ومخصصة لعمومه ومبينة لمجمله، قال الله عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤]. وقول الله عز وجل: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: ٣٨] لفظان عامان متناولان لجمع السراق، فخصصت السنة من ذلك من سرق من غير حرز، كما خصصت من ذلك من سرق أقل من النصاب الذي يجب فيه القطع. ولا اختلاف بين الأمة أن عموم القرآن يخصص بأخبار الآحاد العدول. وإنما اختلفوا هل يجوز نسخ القرآن بالسنة المتواترة أم لا؟ على قولين، وأما بأخبار الآحاد فلا يجوز ذلك عند أحد بعد موت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وإنما كان ذلك جائزا في حياته، مثل ما جاء في رجوع أهل قباء في صلاتهم عن قبلتهم التي كانوا على يقين منها بخبر الواحد، وإنما جاز ذلك لهم لأن الطريق المؤدي إلى العلم يقوم مقام العلم.

وذهب بعض الأصوليين إلى أن قول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: ٣٨] من المجمل الذي يفتقر إلى البيان لا من العموم، قال: لأنه لما ورد بلفظ العموم فخصصت السنة منه صفات وشروطا من حرز ونصاب عاد مجملا. وهذا ليس بصحيح، إذ لا فرق بين تخصيص بعض الأعيان الذي يقتضيه اللفظ العام أو يقيده بصفات وشروط، لأنه إذا قيد اللفظ العام بشرط أو صفة فقد خصص ما يتناوله ما لم يحصل على ذلك الشرط ولا كان بتلك الصفة، وهذا بَيِّن.

<<  <  ج: ص:  >  >>