للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على الناس أو يموت فيترك ورثته عالة يتكففون الناس، فقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس»، «وقال لكعب بن مالك حين تاب الله عليه فقال يا رسول الله: إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة لله ورسوله، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك» وما قال فيه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنه خير للعبد فلا شك في أنه خير له من ضده. فمن جاد لله من ماله بما لا يلزمه زهدا فيه ورغبة فيما له عند الله على ذلك من جزيل الثواب فهو من الزهاد بما زهد لله فيه من ماله وخرج عنه لله عز وجل.

فالصحابة المذكورون بالغنا كلهم زهاد في الدنيا بما بذلوه لله تعالى من أموالهم في حياتهم، وبما نووا فيما أنفقوا منه لأنفسهم إلى حين وفاتهم، وإن كان كثيرا فالذي بذلوا منه في حياتهم أكثر مما أنفقوا بعد وفاتهم. لا أنه لا يقع على الزاهد اسم زاهد حتى ينخلع من جميع ماله لله عز وجل ويترك التنعم بشيء منه خوف السؤال عنه كما قالت الطائفة التي بدأنا بذكرها. فالزهاد في الدنيا يتعاطون في الزهد فيها على قدر مبلغهم على الدنيا إلى الدار الآخرة، لأن الدنيا والآخرة ككفتي الميزان، فإذا مال الرجل عن إحداهما إلى الأخرى رجحت به. فإذا رجحت به كفة الأخرى فهو معدود في جملة الزهاد في الدنيا، فتفاضل الزهاد في الدنيا على قدر رجحان الكفة بهم. ونهاية زهد الزاهد في الدنيا ألا يميل إلى شيء منها إلا أن يكون في ذلك قربة لله تعالى، فتكون كفة الدنيا فارغة لا وزن لها. فإن استوت به الكفتان، أو رجحت به كفة الدنيا فليس بمعدود في الزهاد في الدنيا. فالزهد في الدنيا إنما هو بقدر النيات، فلا يعلمه إلا العالم بقدرها المجازي عليها. فقد يكون صاحب المال الكثير أزهد في الدنيا من صاحب المال القليل وممن لا مال له.

[فصل]

وهذا الباب الاختلاف فيه، قد قالت طائفة من العلماء: إن الزهد

<<  <  ج: ص:  >  >>