للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فراغ القلب من الدنيا للاشتغال بالآخرة، فليس من الزهد ترك ما يشتهيه والقلب به مشغول عن الآخرة، ولكن من الزهد أخذه ليتفرغ القلب للآخرة، وليس ذلك من تعظيم الشهوة ولكن ليفرغ قلبه للآخرة، وهو قول بعيد.

وقالت طائفة أخرى: الزهد إخفاء الزهد بلباسه الثياب الحسان، واتخاذه في بيته المتاع واستعماله الطيب من الطعام ليلا ينظر إليه الخلق فيتوهموا عليه الزهد فيحسدونه على ذلك، إذ القلب لا يمتنع إذا ظهر منه التقشف والتقلل أن يرتاح لحب حمد الناس على ذلك وتعظيمهم إياه من أجله. وهذا من الأقوال الظاهرة الخطأ.

وقالت طائفة أخرى عامتهم قدرية: إن الزهد إنما هو الجوع وترك كل لذة، ومن أخذ منها شيئا من لذاتها أو تمتع ليستعين بذلك على طاعة كقيام ليل أو غيره مخدوع، وترك ذلك العمل مع الجوع أفضل، لأن الزهد لا يعدله شيء. وما احتجت به هذه الطائفة والرد عليها يطول.

وقالت طائفة أخرى: الزهد كله فيما حرم وما أحل فهو معونة على الطاعة، وكل ما فعله العبد وليس فيه ثواب فهو معصية وقد وجب عليه الزهد فيه. واحتجوا بما جاء من أن صاحب الشمال يكتب كل ما لا يكتب صاحب اليمين، والله أعلم، وبه التوفيق لا رب غيره ولا معبود سواه.

فصل

في

المفاضلة بين الفقر والغنى

اختلف الناس في الفقر والغنى على أربعة أقوال، فمنهم من ذهب إلى أن الغنى أفضل، ومنهم من ذهب إلى أن الفقر أفضل، ومنهم من ذهب إلى أن

<<  <  ج: ص:  >  >>