للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذلك أيضا اختلافهم في استئجار الأجير شهرا على أن يبيع له ثوبا بعينه أو يرعى له غنما بأعيانها دون أن يشترط الخلف وما أشبه ذلك؛ فمعنى ما ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيها على هذا التأويل، أنه كرهها ابتداء مراعاة للخلاف؛ ويحتمل أن يكون كرهها من أجل النقد - وإن لم يكن مشترطا؛ إذ لا يصح النقد فيها بشرط إجماعا، وأجازها إذا وقعت على أصل مذهبه وحكم للعامل بأجر مثله في شق الصفا وأوجب عليه أن يرد من الأجرة ما يقع للصفا من جملة الخمسة الآلاف الذراع، ورأى ابن القاسم وسحنون أنها إجارة فاسدة للعلة التي ذكرها وهي الجهل بجملة الثمن حال العقد، فأوجبا للعامل أجرة مثله في جميع عمله، فأما سحنون فجرى في ذلك على أصله في الذي يستأجر الكرى على أن يأتيه بمتاعه من بلد كذا، فإن وجده في الطريق رجع وكان له بحسابه، وأما ابن القاسم فخالف أصله وذلك اختلاف من قوله؛ وكلا التأويلين سائغان، والتأويل الأول أظهر والله أعلم.

وقد تأول بعض الناس أن مالكا تكلم على أن رب العين هو الذي شق الصفا، وأن ابن القاسم وسحنون تكلما على أن العامل هو الذي شقها وهو بعيد من التأويل لا معنى له؛ إذ لا تأثير لشق العامل إياها في فساد العقد، وتأول أيضا بعض من سألني عن معنى هذه المسألة فنهجت له القول فيها بما ذكرته أن مالكا تكلم على الوجه الآخر من الوجهين اللذين ذكرنا، وأن ابن القاسم وسحنون تكلما على الوجه الأول وذلك محتمل أيضا، ومنهم من ذهب إلى أنهم تكلموا جميعا على الوجه الأول. وأن إرادة مالك أن الإجارة فاسدة بدليل قوله: قد دخلتما في أمر لا خير فيه، وأن تفسير ابن القاسم ليس بصحيح، والصواب أن تفسيره لمذهبه صحيح، فهو أقعد بمعنى ما ذهب إليه، والله أعلم.

[فصل]

وأما الإجارة المحظورة فتنقسم على ثلاثة أقسام، (أحدها) الاستئجار على

<<  <  ج: ص:  >  >>