للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[فصل]

فأما الفصل الأول- وهو الإشهاد على الحقوق على تفاصيلها- فإن منها البيع وقد أمر الله تبارك وتعالى بالإشهاد عليه فقال: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: ٢٨٢] واختلف أهل العلم في وجوبه، فالذي عليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجمهور أهل العلم أن الإشهاد على البيع مندوب إليه وليس بواجب؛ وذهب أهل الظاهر إلى أنه واجب، وأصل اختلافهم في هذا، اختلافهم في الأمر الوارد إذا ورد عاريا من القرائن: هل يحمل على الوجوب أو على الندب أو على الإباحة إذ لا اختلاف بين أحد من أهل العلم أن الأمر قد يرد والمراد به الوجوب، مثل قَوْله تَعَالَى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء: ١٣٦]، {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣] وما أشبه ذلك. وقد يرد والمراد به الندب، مثل قَوْله تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: ٧٧]. ومثل قوله: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا} [النساء: ٨].

وقد يرد والمراد به الإباحة مثل قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: ١٠]، و {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: ٢]. فإذا ورد الأمر عاريا من القرائن التي تدل على الوجوب أو الندب أو الإباحة، فمن أهل العلم من قال إنها تحمل على الإباحة، ومنهم من قال إنها تحمل على الندب، ومنهم من قال تحمل على الوجوب، ومنهم من قال: يتوقف فيه ولا يحمل على ندب ولا وجوب؛ حتى يدل الدليل على المراد به، ولكل واحد منهم على مذهبه حجاج يطول ذكرها، وليس هذا موضع إيرادها، وذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى أنه

<<  <  ج: ص:  >  >>