للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِجَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ يَنْفُذُ وَفِي الْمُكَاتَبِ يَنْفُذُ بِرِضَاهُ فِي الْأَصَحِّ وَفِي عَبْدِ الْغَيْرِ بِإِجَازَةِ مَوْلَاهُ وَلَوْلَا أَنَّهُمْ مَالٌ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي الْعَقْدِ لَمَا نَفَذَ كَمَا فِي الْحُرِّ وَالْمَيِّتَةِ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُونَ مِنْ الْعَقْدِ بَعْدَ الدُّخُولِ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ أَنْفُسَهُمْ فِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ وَفِي عَبْدِ الْغَيْرِ لِأَجْلِ مَوْلَاهُ فَلَا يَكُونُ بَيْعًا بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً بَلْ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ فَلَا يَفْسُدُ وَفِيمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ مِلْكٍ وَوَقْفٍ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَفْسُدُ فِي الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُحَرَّرًا عَنْ الْمِلْكِ وَالتَّمَلُّكِ فَصَارَ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي نَوَازِلِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ مَالٌ، وَلِهَذَا يُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعَ الْأَمْوَالِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ لِأَجْلِ حَقٍّ تَعَلَّقَ بِهِ.

وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِ كَالْمُدَبَّرِ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ حَيْثُ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلِهَذَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعَ الْأَمْوَالِ فَصَارَ كَالْحُرِّ وَلَوْ بَاعَ قَرْيَةً وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْمَسَاجِدَ وَالْمَقَابِرَ لَمْ يَصِحَّ لِمَا ذَكَرْنَا، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ قِيلَ يَصِحُّ فِي الْمِلْكِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ عَلَى الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْمَسْجِدَ كَالْحُرِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَيْفَ يَجُوزُ الْبَيْعُ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِ وَلَا سَبِيلَ لِهَذَا إلَّا إذَا جُعِلَ اسْتِثْنَاءً لِلْمَسَاجِدِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ بَاعَهُ غَيْرَ مَوَاضِعِ الْمَسَاجِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) (قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَمْرِ الْبَائِعِ وَكُلٌّ مِنْ عِوَضَيْهِ مَالٌ مَلَكَ الْمَبِيعَ بِقِيمَتِهِ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا قَبَضَهُ مَلَكَهُ وَلَزِمَهُ قِيمَتُهُ إذَا كَانَ الْقَبْضُ بِأَمْرِ الْبَائِعِ وَفِي الْعَقْدِ عِوَضَانِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالٌ ذُكِرَ فِي الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَهُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ وَذَكَرَ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ احْتِرَازًا عَنْ الْبَاطِلِ فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ بِأَمْرِ الْبَائِعِ وَالْمُرَادُ بِهِ إذْنُهُ؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ عَلَى مَا عُرِفَ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إذْنٍ صَرِيحٍ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ، وَقَبْلَهُ فِي الْمَجْلِسِ يَكْتَفِي بِالدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَسْلِيطٌ مِنْهُ عَلَى الْقَبْضِ إذْ مُرَادُهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْمُشْتَرِي وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالْقَبْضِ فَكَانَ ذَلِكَ تَسْلِيطًا مِنْهُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْهِبَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ فَإِنَّ الْإِيجَابَ فِيهِ لَا يَكُونُ تَسْلِيطًا مِنْهُ عَلَى الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ وَهُوَ التَّمْلِيكُ يَحْصُلُ بِدُونِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِهِ هَذَا إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ الثَّمَنَ أَوْ قَبَضَهُ وَهُوَ مِمَّا لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُمْلَكُ بِهِ وَقَبَضَهُ كَانَ إذْنًا مِنْهُ بِالْقَبْضِ دَلَالَةً فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّصْرِيحِ بِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْمَجْلِسِ وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَقْدِ عِوَضَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالٌ لِيَتَحَقَّقَ رُكْنُ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ لِيَخْرُجَ عَنْهُ الْبَيْعُ بِالْمَيِّتَةِ وَنَحْوِهِ وَالْبَيْعُ مَعَ نَفْيِ الثَّمَنِ فِي رِوَايَةٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ مَعَ السُّكُوتِ حَيْثُ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يَنْفُذُ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ بِخِلَافِهِ أَمَّا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ فَهَلْ يَنْفُذُ أَمْ لَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَانَتْ مُخْتَلَفًا فِيهَا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُجِيزُ بَيْعَهَا وَكَانَ عَلِيٌّ يُجِيزُ بَيْعَهَا ثُمَّ أَجْمَعَ التَّابِعُونَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ فِيهَا فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بَعْدَ ذَلِكَ بِجَوَازِ بَيْعِهَا هَلْ يَقَعُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِ الْإِجْمَاعِ أَوْ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُتَأَخِّرَ هَلْ يَرْفَعُ الْخِلَافَ السَّابِقَ أَمْ لَا فَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ السَّابِقَ وَلَا يَنْعَقِدُ هَذَا الْإِجْمَاعُ وَعِنْدَنَا يَنْعَقِدُ هَذَا الْإِجْمَاعُ وَيَرْتَفِعُ الْخِلَافَ السَّابِقَ وَقَدْ اسْتَدَلَّ صَاحِبُ التَّقْوِيمِ عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْهُمْ جَمِيعًا أَنَّ الْقَاضِي إذَا قَضَى بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ لَمْ يَجُزْ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْخَلَفَ بَعْدَهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَوْ بَقِيَ قَوْلُ الْمَاضِي مُعْتَبَرًا كَأَنَّهُ حَيٌّ لَنَفَذَ قَضَاءُ الْقَاضِي بِمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ إلَى هُنَا لَفْظُ التَّقْوِيمِ، وَقَالَ فِي فُصُولِ الْأُسْرُوشَنِي وَفِي الْقَضَاءِ بِجَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ رِوَايَاتٌ وَأَظْهَرُهَا أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ وَفِي قَضَاءِ الْجَامِعِ أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ إنْ أَمْضَى ذَلِكَ الْقَاضِي نَفَذَ وَإِنْ أَبْطَلَ بَطَلَ وَهَذَا أَوْجَهُ الْأَقَاوِيلِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْفُصُولِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْهُمْ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. اهـ. .

[فَصْلٌ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَمْرِ الْبَائِعِ وَكُلٌّ مِنْ عِوَضَيْهِ مَالٌ]

(فَصْلٌ) لَمَّا ذَكَرَ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ ذَكَرَ حُكْمَهُ عَقِيبَهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ أَثَرُهُ وَأَثَرُ الشَّيْءِ يَتْبَعُهُ وُجُودًا فَكَذَا تَبِعَهُ ذِكْرًا طَلَبًا لِلْمُنَاسَبَةِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَكُلٌّ مِنْ عِوَضَيْهِ مَالٌ مِلْكُ الْمَبِيعِ إلَخْ) وَمَعْلُومٌ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ مِنْ الصَّحِيحِ لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ فَكَيْفَ بِالْفَاسِدِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ لُزُومَ الْقِيمَةِ عَيْنًا إنَّمَا هُوَ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ فِي يَدِهِ أَمَّا مَعَ قِيَامِهِ فِي يَدِهِ فَالْوَاجِبُ رَدُّهُ بِعَيْنِهِ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَبْلَهُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهِ إذْنُهُ) ثُمَّ الْإِذْنُ قَدْ يَكُونُ صَرِيحًا وَقَدْ يَكُونُ دَلَالَةً فَالْأَوَّلُ كَمَا إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ صَرِيحًا بِأَنْ يَأْمُرَهُ بِالْقَبْضِ سَوَاءٌ قَبَضَهُ بِحَضْرَتِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ وَالثَّانِي كَمَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي عَقِيبَ الْبَيْعِ وَلَمْ يُوجَدْ النَّهْيُ مِنْ الْبَائِعِ فَيَمْلِكُهُ أَيْضًا كَمَا إذَا وَجَدَ الْإِذْنَ صَرِيحًا اسْتِحْسَانًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالْبَيْعُ مَعَ نَفْيِ الثَّمَنِ) فِي رِوَايَةٍ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ إذَا بَاعَ بِغَيْرِ ثَمَنٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَنْعَقِدُ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَنْعَقِدُ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الثَّمَنِ يَنْعَقِدُ إلَى هُنَا لَفْظُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ لَوْ بَاعَهُ وَسَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الثَّمَنِ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْبَيْعِ يَقْتَضِي الْمُعَاوَضَةَ بِالْقِيمَةِ فَإِذَا سَكَتَ عَنْ الثَّمَنِ كَانَ عِوَضُهُ قِيمَتَهُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ بِعْت بِالْقِيمَةِ وَهَكَذَا جَمِيعُ الْبَيْعَاتِ الْفَاسِدَةِ تَكُونُ مَضْمُونَةً بِالْقِيمَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بِعْت بِغَيْرِ ثَمَنٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَفَى الثَّمَنَ لَمْ يُمْكِنْ إثْبَاتُ الْمُعَاوَضَةِ بِمُقْتَضَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلْمُقْتَضَى مَعَ التَّصْرِيحِ بِخِلَافِهِ وَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ الْمُعَاوَضَةُ لَمْ يَكُنْ بَيْعًا، وَقَالَ فِي التُّحْفَةِ لَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ وَلَمْ يَذْكُرْ الثَّمَنَ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِالْقِيمَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>