للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَابُ الْإِقَالَةِ) قِيلَ الْإِقَالَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْقَوْلِ وَالْهَمْزَةُ لِلسَّلْبِ أَيْ إزَالَةُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا مِنْ الْبَيْعِ كَأَشْكَى إذَا أَزَالَ شَكْوَاهُ وَلَا يَكَادُ يَصِحُّ هَذَا؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا قُلْتُهُ الْبَيْعَ بِالْكَسْرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ عَيْنَهُ يَاءٌ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْقَوْلِ لَقِيلَ قُلْته بِالضَّمِّ وَقَدْ قَالُوا قَالَهُ الْبَيْعَ قَيْلًا وَهَذَا أَدَلُّ مِنْ الْأَوَّلِ وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا فَسْخًا بِأَنْ وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي غَيْرِ الْمُقَايَضَةِ فَتَبْطُلُ الْإِقَالَةُ وَيَبْقَى الْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ إذْ الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ مِنْ الْمَبِيعِ تَمْنَعُ الْفَسْخَ لِمَا ذَكَرْنَا فِي بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْفَسْخُ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ فَيَبْطُلُ هَذَا إذَا تَقَايَلَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ لِتَعَذُّرِ جَعْلِهَا بَيْعًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ بَيْعٌ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ جَعْلُهَا بَيْعًا بِأَنْ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَنْقُولِ أَوْ كَانَتْ بَعْدَ هَلَاكِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ بَابُ الْإِقَالَةِ]

(بَابُ الْإِقَالَةِ) مُنَاسَبَةُ الْبَابِ بِبَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا يَرْجِعُ الْمَبِيعُ إلَى الْبَائِعِ أَوْ نَقُولُ لَمَّا كَانَتْ الْإِقَالَةُ فَسْخًا لِلْبَيْعِ وَهُوَ يَقْتَضِي سَابِقَةَ الْبَيْعِ وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ بَيْعٌ نَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ الْإِقَالَةَ عَقِيبَهُ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَالَ الْكَمَالُ مُنَاسَبَتُهُ الْخَاصَّةُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْمَكْرُوهِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ فَاسِدًا أَوْ مَكْرُوهًا وَجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الرُّجُوعُ إلَى مَا كَانَ لَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ صَوْنًا لَهُمَا عَنْ الْمَحْظُورِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالْإِقَالَةِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِوُجُوبِ التَّفَاسُخِ فِي الْعُقُودِ الْمَكْرُوهَةِ السَّابِقَةِ وَهُوَ حَقٌّ لِأَنَّ رَفْعَ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَأَيْضًا الْإِقَالَةُ بَيَانُ كَيْفَ يُرْفَعُ الْعَقْدُ وَهُوَ يَقْتَضِي سَابِقَةَ ثُبُوتِهِ وَأَبْوَابُ الْبِيَاعَاتِ السَّابِقَةِ كُلِّهَا مَعَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْمَكْرُوهُ بَيَانُ كَيْفَ يَثْبُتُ فَأَعْقَبَ الرَّفْعَ مُعْظَمَ أَبْوَابِ الْإِثْبَاتِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ مِنْ الْقَوْلِ لَقِيلَ قُلْته بِالضَّمِّ) وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ الْإِقَالَةَ فِي الصِّحَاحِ مِنْ الْقَافِ مَعَ الْيَاءِ لَا مَعَ الْوَاوِ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ قَالُوا قَالَهُ الْبَيْعُ قَيْلًا) أَيْ وَأَقَالَهُ فَسَخَهُ. اهـ. فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ» إلَخْ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ» زَادَ ابْنُ مَاجَهْ «يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَأَمَّا لَفْظُ نَادِمًا فَعِنْدَ الْبَيْهَقِيّ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَلِأَنَّ الْإِقَالَةَ رَفْعُ الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَقَدْ انْعَقَدَ بِتَرَاضِيهِمَا فَكَانَ لَهُمَا رَفْعُهُ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ أَيْ الَّتِي لَهَا شُرِّعَ الْبَيْعُ وَغَيْرُهُ. اهـ. فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ: بِأَنْ وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ حَيْثُ تَكُونُ الْإِقَالَةُ صَحِيحَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجَارِيَةَ إذَا ازْدَادَتْ ثُمَّ تَقَايَلَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ صَحَّتْ الْإِقَالَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ وَالْجَمَالِ أَوْ مُنْفَصِلَةً كَالْوَلَدِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ إلَّا أَنَّ الزِّيَادَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ مُنْفَصِلَةً كَانَتْ أَوْ مُتَّصِلَةً وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً فَالْإِقَالَةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ تَصْحِيحُهَا فَسْخًا بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ مَانِعَةٌ فَسْخَ الْعَقْدِ حَقًّا لِلشَّرْعِ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُصَحِّحُ الْإِقَالَةَ إلَّا بِطَرِيقِ الْفَسْخِ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً فَالْإِقَالَةُ صَحِيحَةٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ عِنْدَهُ لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ مَتَى وُجِدَ الرِّضَا مِمَّنْ لَهُ الْحَقُّ فِي الزِّيَادَةِ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ فِي الزِّيَادَةِ وَقَدْ وُجِدَ الرِّضَا بِمَا تَقَايَلَا فَأَمْكَنَ تَصْحِيحُهَا فَسْخًا عِنْدَهُ كَذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ اهـ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَبِيعَةَ إذَا وَلَدَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ فَالْإِقَالَةُ حِينَئِذٍ بَاطِلَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا ذُكِرَ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَصَحِيحَةٌ وَتُجْعَلُ بَيْعًا جَدِيدًا، أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ عِنْدَهُ بَيْعٌ، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّهُ تَعَذَّرَ جَعْلُهَا هَاهُنَا فَسْخًا فَتُجْعَلُ بَيْعًا جَدِيدًا فَتَنَبَّهْ. اهـ.

(قَوْلُهُ: إذْ الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ مِنْ الْبَيْعِ تَمْنَعُ الْفَسْخَ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت إذَا تَعَذَّرَ الْفَسْخُ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْبَيْعِ الْمُبْتَدَأِ مَجَازًا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ، وَلِهَذَا جُعِلَتْ الْإِقَالَةُ بَيْعًا فِي حَقِّ الثَّالِثِ قُلْت إنَّمَا لَمْ يُحْمَلْ اللَّفْظُ عَلَى الْمَجَازِ لِلتَّعَذُّرِ لِمُضَادَّةٍ بَيْنَ الْعَقْدِ وَرَفْعِهِ وَاللَّفْظُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ مَجَازًا لِضِدِّهِ وَفِي حَقِّ الثَّالِثِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْبَيْعِ لَا بِاعْتِبَارِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ مَجَازًا بَلْ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْبَيْعِ وَهُوَ حُصُولُ الْمِلْكِ بِبَدَلٍ فَأَظْهَرْنَا هَذَا الْمُوجِبَ فِي حَقِّ الثَّالِثِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِمَا عَلَى غَيْرِهِمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: هَذَا إذَا تَقَايَلَا بَعْدَ الْقَبْضِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ مَنْقُولًا كَانَ الْمَبِيعُ أَوْ غَيْرَ مَنْقُولٍ مَقْبُوضًا أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا حَتَّى لَا تَصِحَّ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَلَا النُّقْصَانُ عَنْهُ وَلَا خِلَافُ الْجِنْسِ وَلَا الْأَجَلُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهَا فَسْخًا فَحِينَئِذٍ تَبْطُلُ الْإِقَالَةُ وَلَا تُجْعَلُ بَيْعًا كَمَا إذَا وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَالَ الْأَقْطَعُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهَا بَيْعٌ بَعْدَ الْقَبْضِ وَفَسْخٌ قَبْلَهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: لِتَعَذُّرِ جَعْلِهَا بَيْعًا) أَيْ إذْ بَيْعُ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ بَيْعٌ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ جَعْلُهَا بَيْعًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إلَّا أَنَّ فِي الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَوْ حَمَلَتْ عَلَى الْبَيْعِ كَانَ فَاسِدًا فَحَمَلَتْ عَلَى الْفَسْخِ حَمْلًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الصِّحَّةِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ دَارًا وَتَقَايَلَا قَبْلَ الْقَبْضِ يَكُونُ بَيْعًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَأَبِي حَنِيفَةَ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>