للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَظَرًا لِجَانِبِ عَدَمِ الْمَالِيَّةِ فِي الْأَجَلِ حَقِيقَةً أَوْ نَقُولُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِالْهَلَاكِ فَبَطَلَ خِيَارُهُ كَسَائِرِ الْخِيَارَاتِ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ أَوْ الرُّؤْيَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا التَّوْلِيَةُ) أَيْ التَّوْلِيَةُ مِثْلُ الْمُرَابَحَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخِيَارِ مَا دَامَ الْمَبِيعُ قَائِمًا وَبَعْدَ الْهَلَاكِ أَوْ الِاسْتِهْلَاكِ لَا خِيَارَ لَهُ بَلْ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ لِمَا ذَكَرْنَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرُدُّ قِيمَةَ الْهَالِكِ وَيَسْتَرِدُّ كُلَّ الثَّمَنِ كَمَا قَالَ فِيمَا إذَا اسْتَوْفَى عَشَرَةً زُيُوفًا مَكَانَ عَشَرَةٍ جِيَادٍ وَعَلِمَ بَعْدَ الْإِنْفَاقِ يَرُدُّ مِثْلَ الزُّيُوفِ وَيَرْجِعُ بِالْجِيَادِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنْ يُقَوِّمَ الْمَبِيعُ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَبِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا لِلتَّعَارُفِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَجَلُ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِيهِ وَلَكِنَّهُ مَعْنَاهُ مُتَعَارَفٌ بَيْنَهُمْ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ قَدْرٌ مَعْلُومٌ قِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَادَ كَالْمَشْرُوطِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِلَا بَيَانٍ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ حَالٌّ، وَإِنَّمَا سَامَحَهُ الْبَائِعُ وَاسْتَوْفَى مِنْهُ الثَّمَنَ مُنَجَّمًا وَقَدْ قَالُوا فِي الْمَغْبُونِ غَبْنًا فَاحِشًا لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ بِحُكْمِ الْغَبْنِ، وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَيُفْتَى بِرِوَايَةِ الرَّدِّ رِفْقًا بِالنَّاسِ وَكَانَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ يُفْتِي بِأَنَّ الْبَائِعَ إنْ قَالَ لِلْمُشْتَرِي: قِيمَةُ مَتَاعِي كَذَا أَوْ قَالَ مَتَاعِي يُسَاوِي كَذَا فَاشْتَرَى بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ وَظَهَرَ بِخِلَافِهِ لَهُ الرَّدُّ بِحُكْمِ أَنَّهُ غَرَّهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَرُدُّ بِهِ كَيْفَمَا كَانَ وَالصَّحِيحُ أَنْ يُفْتَى بِالرَّدِّ إنْ غَرَّهُ وَإِلَّا فَلَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ وَلَّى رَجُلًا شَيْئًا بِمَا قَامَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِكَمْ قَامَ عَلَيْهِ فَسَدَ الْبَيْعُ) لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ جَهَالَةً تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ عَلِمَ فِي الْمَجْلِسِ خُيِّرَ)؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الثَّمَنِ فَسَادٌ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ إلَّا أَنَّهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ غَيْرُ مُتَقَرِّرٍ؛ لِأَنَّ سَاعَاتِ الْمَجْلِسِ كَسَاعَةٍ وَاحِدَةٍ دَفْعًا لِلْعُسْرِ وَتَحْقِيقًا لِلْيُسْرِ فَصَارَ التَّأْخِيرُ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ عَفْوًا كَتَأْخِيرِ الْقَبُولِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ يَرْتَبِطُ بِالْإِيجَابِ وَإِنْ تَخَلَّلَتْ بَيْنَهُمَا سَاعَاتٌ فَكَذَا الْعِلْمُ الْحَاصِلُ فِي آخِرِ الْمَجْلِسِ كَالْعِلْمِ الْحَاصِلِ فِي أَوَّلِهِ فَيَصِحُّ عَلَى تَقْدِيرِ الِابْتِدَاءِ، وَأَمَّا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَإِصْلَاحٌ لَا ابْتِدَاءٌ لِتَقَرُّرِ الْفَسَادِ بِالِافْتِرَاقِ وَهَذَا فَسَادٌ لَا يَحْتَمِلُ الْإِصْلَاحَ وَنَظِيرُهُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِرَقْمِهِ فَإِنَّ الْبَيْعَ فِيهِ فَاسِدٌ فَإِنْ أَعْلَمَهُ الْبَائِعُ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنَّمَا يُخَيَّرُ لِخَلَلٍ فِي رِضَاهُ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِالشَّيْءِ لَا يَتِمُّ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ.

(فَصْلٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صَحَّ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ قَبْضِهِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اشْتَرَيْت شَيْئًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: نَظَرًا لِجَانِبِ عَدَمِ الْمَالِيَّةِ فِي الْأَجَلِ حَقِيقَةً) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَجَلُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ حَقِيقَةً وَلَكِنْ فِيهِ شُبْهَةُ الْمُقَابَلَةِ فَبِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا فَأَمَّا أَنْ يَسْقُطَ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بَعْدَ الْهَلَاكِ بِمُقَابَلَةِ الْأَجَلِ فَلَا. اهـ.

(قَوْلُهُ: بَلْ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ) أَيْ حَالًّا كَمَا فِي الْمُرَابَحَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرُدُّ قِيمَةَ الْهَالِكِ وَيَسْتَرِدُّ كُلَّ الثَّمَنِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ قِيمَتَهُ وَيَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ قَامَتْ مَقَامَهُ وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ مُسْتَقِيمٌ كَمَا فِي التَّحَالُفِ وَالتَّرَادِّ أَنَّ الْقِيمَةَ قَامَتْ مَقَامَهُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ قَالَ يَرُدُّ قِيمَةَ الْعَيْنِ وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالَ فِيمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ جِيَادٍ فَاسْتَوْفَى زُيُوفًا وَلَمْ يَعْلَمْ حَتَّى أَنْفَقَهَا يَرُدُّ زُيُوفًا مِثْلَهَا وَيَأْخُذُ الْجِيَادَ. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ وَلَّى) أَيْ بَاعَ لَهُ بِالتَّوْلِيَةِ اهـ (قَوْلُهُ بِمَا قَامَ عَلَيْهِ إلَخْ) الْمُرَادُ بِمَا قَامَ عَلَيْهِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ مَعَ مَا لَحِقَهُ مِنْ الْمُؤَنِ نَحْوَ الصَّبْغِ وَالْفَتْلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ عَلِمَ فِي الْمَجْلِسِ خُيِّرَ إلَخْ) إنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَنَظِيرُهُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِرَقْمِهِ) أَيْ بِعَلَامَةٍ أَعْلَمَهَا الْبَائِعُ عَلَى الثَّوْبِ أَنَّ ثَمَنَهُ كَذَا فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَ الْبَائِعِ وَمَجْهُولٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَكَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يُخَيَّرُ لِخَلَلٍ فِي رِضَاهُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَإِنَّمَا وَجَبَ الْخِيَارُ لِخَلَلٍ فِي الرِّضَا؛ لِأَنَّ الرِّضَا لَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ الْمَعْرِفَةِ بِمِقْدَارِ الثَّمَنِ كَمَا لَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِلْجَهْلِ بِالصَّوَابِ وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ فَكَانَ مُلْحَقًا بِهِ اهـ.

[فَصْلٌ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ قَبْضِهِ]

(فَصْلٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَسَائِلُ هَذَا الْفَصْلِ لَمَّا كَانَ الْبَيْعُ فِيهَا مُقَيَّدًا بِوَصْفٍ زَائِدٍ أَشْبَهَتْ الْمُرَابَحَةَ وَالتَّوْلِيَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِمَا قَيْدًا زَائِدًا عَلَى أَصْلِ الْبَيْعِ وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِمُرَابَحَةٍ وَلَا تَوْلِيَةٍ فَجِيءَ بِالْفَصْلِ لِهَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ كَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَصِحَّةُ الْقَبْضِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا بِالتَّخْلِيَةِ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ وَغَيْرِهِ أَوْ بِحَقِيقَةِ الْقَبْضِ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ عُمُومُ النَّهْيِ وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَمَّا لَمْ يُقْبَضْ» وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَشْمَلُ الْمَنْقُولَ وَالْعَقَارَ جَمِيعًا وَلِأَنَّ بَيْعَ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا غَيْرُ الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْقَبْضِ مَوْجُودٌ فِيهِمَا جَمِيعًا وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْبَيْعِ الرِّبْحُ وَرِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ مَنْهِيٌّ شَرْعًا وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ فَيَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إجَارَتُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِيهِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِيهِ بِالْهَلَاكِ فَالتَّصَرُّفُ فِيهِ جَائِزٌ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْعِتْقِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَعَلَّلَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ هَلَاكَهُ لَا يَنْقُضُ الْعَقْدَ وَيَكُونُ عَلَى الَّذِي بَدَّلَهُ قِيمَتُهُ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>