للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(مَا أَمْكَنَ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةُ قَدْرِهِ صَحَّ السَّلَمُ فِيهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَسْلَمَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَالضَّبْطُ يَكُونُ بِمَعْرِفَةِ قَدْرِهِ وَقَدْ شَرَطَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا لَا فَلَا) أَيْ مَا لَا يُضْبَطُ صِفَتُهُ وَلَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَهُوَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْوَصْفِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ضَبْطُهُ بِهِ يَكُونُ مَجْهُولًا جَهَالَةً تَقْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا يَجُوزُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَيَصِحُّ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ الْمُثَمَّنِ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ الْمُثَمَّنِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّهُمَا أَثْمَانٌ وَلَيْسَا بِمُثَمَّنٍ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ فِيهِمَا لَا يَصِحُّ سَلَمًا؛ لِأَنَّ السَّلَمَ تَعْجِيلُ الثَّمَنِ وَتَأْجِيلُ الْمَبِيعِ وَلَوْ جَازَ فِيهِ لَانْعَكَسَ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ سَلَمًا يَكُونُ بَاطِلًا عِنْدَ عِيسَى بْنِ أَبَانَ وَقَالَ الْأَعْمَشُ: يَكُونُ بَيْعًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي وَقَوْلُ عِيسَى أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي السَّلَمِ الْمُسْلَمُ فِيهِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي مَحَلٍّ أَوْجَبَا الْعَقْدَ فِيهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَلَا وَجْهَ إلَى تَصْحِيحِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ؛ لِأَنَّهُمَا يُوجِبَا الْعَقْدَ فِيهِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ فِيهِمَا غَيْرَ الْأَثْمَانِ وَأَمَّا إذَا أَسْلَمَ الْأَثْمَانَ فِيهِمَا كَالدَّرَاهِمِ فِي الدَّنَانِيرِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَلَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْقَدْرَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ وَلَوْ أَسْلَمَ فِي الْمَكِيلِ وَزْنًا كَمَا إذَا أَسْلَمَ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ بِالْمِيزَانِ رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ لِيَصِيرَ مَعْلُومَ الْقَدْرِ لَا لِنَفْيِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِجِنْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى عَيْنُ الْوَاجِبِ حُكْمًا فِي بَابِ السَّلَمِ فَيَكُونُ بَدَلًا عَنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا رِبَا بَيْنَهُمَا وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ وَالْمُؤَدَّى عَيْنٌ وَالْعَيْنُ غَيْرُ الدَّيْنِ حَقِيقَةً فَيَكُونُ الْمُؤَدَّى بَدَلًا عَنْ الْوَاجِبِ فِي الذِّمَّةِ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ عَيْنَهُ حُكْمًا فَيَكُونُ مُشْتَرِيًا الْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا كَيْلًا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ أَسْلَمَ فِي الْمَوْزُونِ كَيْلًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (: وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ)؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مَضْبُوطٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ فَأَشْبَهَ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ لِاصْطِلَاحِ النَّاسِ عَلَى إهْدَارِ التَّفَاوُتِ وَلِهَذَا تَسْتَوِي قِيمَتُهُمَا فَصَارَا بِذَلِكَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ بِخِلَافِ الْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ؛ لِأَنَّ آحَادَهُمَا مُتَفَاوِتَةٌ وَلِهَذَا تَخْتَلِفُ فِي الْقِيمَةِ وَبِهَا يُعْرَفُ التَّفَاوُتُ وَالتَّسَاوِي وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي بَيْضِ النَّعَامَةِ لِتَفَاوُتِ آحَادِهِ فِي الْمَالِيَّةِ وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَيْلًا أَيْضًا وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَصِحُّ كَيْلًا؛ لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ لَيْسَ بِمَكِيلٍ فَلَا يَصِحُّ إذْ الْمُعْتَبَرُ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ الْعَادَةُ وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَدَدًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ فِي التَّسْلِيمِ وَالتَّسْلِيمُ بِسَبَبِ التَّفَاوُتِ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَصَارَ كَالسَّفَرْجَلِ وَالْقِثَّاءِ وَلَنَا أَنَّ الْمِقْدَارَ يُعْرَفُ بِالْكَيْلِ تَارَةً وَبِالْعَدِّ أُخْرَى فَتَنْقَطِعُ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا بِذِكْرِ أَحَدِهِمَا أَيِّهِمَا كَانَ إذَا كَانَ يُعْرَفُ قَدْرُهُ بِهِمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْفَلْسُ)؛ لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ فَيَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ وَقِيلَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ: لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنٌ مَا دَامَ يَرُوجُ وَالْمُسْلَمُ فِيهِ مَبِيعٌ فَلَا يَصِحُّ فِيهِ كَالنَّقْدَيْنِ وَإِذَا كَسَدَ صَارَ قِطْعَةَ نُحَاسٍ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ عَدَدًا وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِهِ فَيَصِحُّ كَسَائِرِ الْمَعْدُودَاتِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ اصْطِلَاحَ النَّاسِ عَلَى الثَّمَنِيَّةِ لَا يَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَبْطُلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي بَيْعِ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ وَذَكَرْنَا الْفَرْقَ هُنَّاك بَيْنَ الْفُلُوسِ وَالنَّقْدَيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (: وَاللَّبِنُ وَالْآجُرُّ إنْ سُمِّيَ مُلَبَّنٌ مَعْلُومٌ)؛ لِأَنَّ آحَادَهُمَا لَا تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْآلَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالذَّرْعِيُّ كَالثَّوْبِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

لِيُعْلَمَ أَنَّ مِنْ حَقِّ الْأَجَلِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا اهـ أَتْقَانِيٌّ.

[مَا يَجُوز السَّلَم فِيهِ وَمَا لَا يَجُوز]

(قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُسْلَمَ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ الْمُثَمَّنِ) الْمُثَمَّنُ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ وَالْمَوْزُونُ فَقَطْ. اهـ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ فِيهِمَا لَا يَصِحُّ سَلَمًا) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُثَمَّنًا وَالنُّقُودُ أَثْمَانٌ فَلَا تَكُونُ مُسْلَمًا فِيهَا. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ الْأَعْمَشُ إلَخْ) وَاعْلَمْ أَنَّ مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَعْمَشُ اخْتَارَهُ الْكَمَالُ فِي الْفَتْحِ قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي أَدَخَلُ فِي الْفِقْهِ وَعِلَلِهِ فَلْيُنْظَرْ ثَمَّةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي مَحَلٍّ أَوْجَبَا) أَيْ أَوْجَبَ الْمُتَعَاقِدَانِ الْعَقْدَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ فِيهِمَا) أَيْ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجُوزُ) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِتَعَامُلِ النَّاسِ. اهـ. قَاضِي خَانْ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ كَالْجَوْزِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ أَمَّا السَّلَمُ فِي الْبَاذِنْجَانِ عَدَدًا لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ وَذَكَرَ الشَّمْسُ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ وَأَلْحَقَهُ بِالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ هَذَا لَفْظُهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِاصْطِلَاحِ النَّاسِ عَلَى إهْدَارِ التَّفَاوُتِ) أَيْ فَلَا تَرَى جَوْزَةً بِفَلْسٍ وَجَوْزَةً بِفَلْسَيْنِ بِخِلَافِ الْبِطِّيخِ فَإِنَّك تَرَى بِطِّيخَةً بِدِرْهَمٍ وَأُخْرَى بِفَلْسٍ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَأَمَّا الْعَدَدِيُّ الْمُتَفَاوِتُ وَتَفْسِيرُهُ مَا نُقِلَ عَنْ ابْن يُوسُفَ مَا اخْتَلَفَتْ آحَادُهُ فِي الْقِيمَةِ وَاتَّفَقَتْ أَجْنَاسُهُ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ وَذَلِكَ كَالدُّرِّ وَالْجَوَاهِرِ وَاللَّآلِئِ وَالْأُدُمِ وَالْجُلُودِ وَالْخَشَبِ وَالرُّءُوس وَالْأَكَارِعِ وَالرُّمَّانِ وَالْبِطِّيخِ وَالسَّفَرْجَلِ وَنَحْوِهَا إلَّا إذَا بَيَّنَ مِنْ جِنْسِ الْجُلُودِ وَالْأُدُمِ وَالْخَشَبِ وَالْجُذُوعِ شَيْئًا مَعْلُومًا وَطُولًا مَعْلُومًا وَغِلَظًا مَعْلُومًا وَأَتَى بِجَمِيعِ شَرَائِطِ السَّلَمِ وَالْتَحَقَ بِالْمُتَقَارِبِ يَجُوزُ اهـ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَا يَجُوزُ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ كَالْحَيَوَانِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ إلَّا فِي الثِّيَابِ خَاصَّةً. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي بَيْضِ النَّعَامَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: ثُمَّ عِنْدَنَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي بَيْضِ النَّعَامِ أَيْضًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مَضْبُوطٌ. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالذَّرْعِيُّ كَالثَّوْبِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَأَمَّا الذَّرِعِي فَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ كَالثِّيَابِ وَالْبُسُطِ وَالْبَوَارِي وَنَحْوِهَا إذَا بَيَّنَ الطُّولَ وَالْعَرْضَ وَالصِّفَةَ وَالنَّوْعَ قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ السَّلَمُ فِي الثِّيَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>