للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ) أَيْ شَرْطُهُ بَيَانُ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ الْعَقْدُ يَتَعَلَّقُ عَلَى مِقْدَارِهِ مِثْلُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَعْلُومًا بِالْإِشَارَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ إعْلَامُ قَدْرِهِ كَمَا فِي الثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ وَالْمَذْرُوعَاتِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْعِوَضِ إنَّمَا تُشْتَرَطُ احْتِرَازًا عَنْ الْمُنَازَعَةِ وَجَهَالَةُ قَدْرِهِ بَعْدَ التَّعْيِينِ بِالْإِشَارَةِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ كَجَهَالَةِ الْقِيمَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْقِيمَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ جَهَالَةَ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ قَدْ تُفْضِي إلَى جَهَالَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِأَنْ يُنْفِقَ بَعْضَهُ، ثُمَّ يَجِدَ بِالْبَاقِي عَيْبًا فَيَرُدَّهُ وَلَا يَتَّفِقُ لَهُ الِاسْتِبْدَالُ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي الْمَرْدُودِ وَيَبْقَى فِي غَيْرِهِ وَلَا يَدْرِي قَدْرَهُ لِيَبْقَى الْعَقْدُ بِحِسَابِهِ فَيُفْضِي إلَى جَهَالَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْ مِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ مَوْهُومًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِكَيْلٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بِوَزْنٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يُعْرَفْ مِقْدَارُهُ لِتَوَهُّمِ هَلَاكِهِ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يَعْجِزُ عَنْ تَسْلِيمِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَحْتَاجُ إلَى فَسْخِ الْعَقْدِ بَعْدَمَا أَنْفَقَ رَأْسَ الْمَالِ فَيَفْسَخَانِهِ وَلَا يَدْرِي كَمْ يَرُدُّ فَيُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ أَوْ إلَى الرِّبَا فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْ كُلِّ مَوْهُومٍ لِشَرْعِهِ مَعَ الْمُنَافِي إذْ هُوَ بَيْعُ الْمَعْدُومِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ» بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ ثَوْبًا؛ لِأَنَّ الذَّرْعَ وَصْفٌ فِيهِ فَلَا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَجَهَالَتُهُ لَا تُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَمِنْ فُرُوعِهِ إذَا أَسْلَمَ فِي جِنْسَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ رَأْسَ مَالِ أَحَدِهِمَا بِأَنْ أَسْلَمَ مِائَةَ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَكُرِّ شَعِيرٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ حِصَّةَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَهِيَ تُعْرَفُ بِالْحَزْرِ فَلَا يَكُونُ مَعْلُومًا أَوْ أَسْلَمَ جِنْسَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ أَحَدِهِمَا بِأَنْ أَسْلَمَ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ فِي مِقْدَارٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْبُرِّ فَبَيَّنَ قَدْرَ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُبَيِّنْ الْآخَرَ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ لَا يَكُونُ مَعْلُومًا بِمَعْرِفَةِ بَعْضِهِ إذْ لَا يَعْلَمُ بِهِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِالْمَعْدُودِ هُنَا مَا لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَكَانُ الْإِيفَاءِ فِيمَا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ) أَيْ شَرْطُ جَوَازِهِ بَيَانُ مَكَانِ إيفَاءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ إذَا كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا: لَيْسَ بِشَرْطٍ وَيُوفِيهِ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مُوجَبُ الْعَقْدِ فَيَتَعَيَّنُ لَهُ مَوْضِعُ وُجُودِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلِهَذَا وَجَبَ تَسْلِيمُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فَكَذَا الْبَدَلُ الْآخَرُ إذْ الْعَقْدُ يُوجِبُ الْمُسَاوَاةَ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ وَالتَّسْلِيمُ مِنْ جُمْلَتِهَا فَيَتَعَيَّنُ لَهُ مَوْضِعُ وُجُودِهِ دَلَالَةً مَا لَمْ يُعَيِّنَا لَهُ مَكَانًا آخَرَ بِالنَّصِّ فَيَتَعَيَّنُ لَهُ ذَلِكَ الْمَكَانُ؛ لِأَنَّهُ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ يَبْطُلُ بِاشْتِرَاطِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَ الْمَبِيعَ بِالْعَقْدِ فَاشْتِرَاطُ النَّقْلِ عَلَى الْبَائِعِ شَرْطٌ فَاسِدٌ إذْ الْعَقْدُ لَا يَقْتَضِيهِ أَوْ يَكُونُ إجَارَةً فِي بَيْعٍ فَيَكُونُ مُفْسِدًا لِلنَّهْيِ الْمَعْرُوفِ عَنْ صَفْقَةٍ فِي صَفْقَةٍ.

وَرَبُّ السَّلَمِ لَا يَمْلِكُ الْمُسْلَمَ فِيهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَاشْتِرَاطُهُ لَا يَكُونُ اشْتِرَاطَ الْعَمَلِ فِي مِلْكِهِ بَلْ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُفْسِدٍ وَلِأَنَّهُ لَا يُزَاحِمُهُ مَكَانٌ آخَرُ فَيَتَعَيَّنُ ضَرُورَةً كَأَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ فِي الْأَوَامِرِ الْمُطْلَقَةِ وَصَارَ كَالْقَرْضِ وَالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ تَعَيُّنَ مَكَانِ الْعَقْدِ إمَّا بِالتَّعْيِينِ صَرِيحًا أَوْ ضَرُورَةَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَلَمْ يُوجَدْ إذْ السَّلَمُ لَا يَجُوزُ إلَّا مُؤَجَّلًا فَيَكُونُ التَّسْلِيمُ مُتَأَخِّرًا ضَرُورَةً بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِتْلَافِ وَالْقَرْضِ وَالْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبُ التَّسْلِيمِ فِي الْحَالِ فَتَعَيَّنَ مَوْضِعُ وُجُودِ السَّبَبِ ضَرُورَةً وَلِأَنَّهُ لَوْ تَعَيَّنَ مَكَانُ الْعَقْدِ لَمَا جَازَ تَغْيِيرُهُ بِالشَّرْطِ كَمَكَانِ الْمَبِيعِ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ وَلَتَعَيَّنَ مَكَانُ الْعَقْدِ فِيمَا إذَا عَقَدَا فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ وَفَسَادُهُ لَا يَخْفَى فَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ وَلَمْ يُعَيِّنَا مَكَانًا آخَرَ بَقِيَ مَجْهُولًا جَهَالَةً فَاحِشَةً فَيُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَيَفْسُدُ كَاخْتِلَافِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ مَالَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ كَمَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصِّفَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَطَبَ فِي الْمُدُنِ أَغْلَى مِنْهُ فِي الْقُرَى وَلِهَذَا قِيلَ: إنَّ الِاخْتِلَافَ فِي بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ يُوجِبُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُ كَالِاخْتِلَافِ فِي الصِّفَةِ.

وَقِيلَ عَلَى عَكْسِهِ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْمَكَانِ قَضِيَّةُ الْعَقْدِ عِنْدَهُمَا حَتَّى لَا يُحْتَاجَ فِيهِ إلَى ذِكْرِهِ فَكَانَ اخْتِلَافًا فِي مُوجَبِ الْعَقْدِ فَيَتَحَالَفَانِ كَمَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ بَيَان شَرْط السَّلَم]

قَوْلُهُ إذَا كَانَ الْعَقْدُ يَتَعَلَّقُ عَلَى مِقْدَارِهِ) احْتَرَزَ عَنْ الْمَذْرُوعِ اِ هـ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَوْهُومًا) أَيْ وَالْمَوْهُومُ فِي عَقْدِ السَّلَمِ كَالْمُتَحَقِّقِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْجَوَازِ بِكَوْنِهِ بَيْعَ مَعْدُومٍ وَإِنَّمَا جُوِّزَ إذَا وَقَعَ الْأَمْنُ عَنْ الْغَرَرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِذَا بَقِيَ نَوْعُ غَرَرٍ بَقِيَ الْأَمْرُ عَلَى مَا كَانَ وَهُوَ عَدَمُ الْجَوَازِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْ كُلِّ مَوْهُومٍ لِشَرْعِهِ) أَيْ لِشَرْعِ السَّلَمِ اهـ (قَوْلُهُ مَعَ) أَيْ الدَّلِيلِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ) أَيْ ثَمَنُ الثَّوْبِ الْمُسْلَمِ فِيهِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهِ) أَيْ عَلَى مِقْدَارِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَمِنْ فُرُوعِهِ) أَيْ وَمِنْ فُرُوعِ الِاخْتِلَافِ فِي مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فَاشْتِرَاطُ النَّقْلِ عَلَى الْبَائِعِ شَرْطٌ فَاسِدٌ) قَالَ الْكَمَالُ: وَفِي بَيْعِ الْعَيْنِ لَوْ شَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ فِي الْمِصْرِ أَنْ يُوفِيَهُ إلَى مَنْزِلِهِ وَالْعَقْدُ فِي الْمِصْرِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ جَوَانِبِ الْمِصْرِ مَسَافَةٌ بَعِيدَةٌ فَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ. اهـ. (قَوْلُهُ كَأَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ فِي الْأَوَامِرِ الْمُطْلَقَةِ) يَعْنِي أَنَّ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ مِنْ الْوَقْتِ يَتَعَيَّنُ لِنَفْسِ الْوُجُوبِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ لِعَدَمِ مُزَاحَمَةِ جُزْءٍ آخَرَ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الْمُطْلَقَةِ مَا نَصُّهُ هَذَا إنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالِاخْتِلَافِ فِي الصِّفَةِ) أَيْ فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فِي أَحَدِ بَدَلَيْ السَّلَمِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ عَلَى عَكْسِهِ) يَعْنِي لَا يَتَحَالَفَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَعِنْدَهُمَا يَتَحَالَفَانِ هَكَذَا ذَكَرَ الْخِلَافَ الْقُدُورِيُّ وَصَاحِبُ الْإِيضَاحِ وَصَاحِبُ الْكِفَايَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

<<  <  ج: ص:  >  >>