للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِي الْيَدِ بِكَفِيلٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا إنْ كَانَ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ جَاحِدًا أُخِذَ مِنْهُ وَجُعِلَ فِي يَدِ أَمِينٍ، وَإِنْ لَمْ يَجْحَدْ تُرِكَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْجَاحِدَ خَائِنٌ، فَلَا يُتْرَكُ فِي يَدِهِ إذْ لَا يُؤْمَنُ مِنْ الْجُحُودِ ثَانِيًا، وَالْقَاضِي نُصِّبَ نَاظِرًا لِلْغَيْبِ وَلَيْسَ فِي تَرْكِهِ فِي يَدِهِ مِنْ النَّظَرِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُوجَدُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَلَا كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ فَتَعَيَّنَ الْأَخْذُ مِنْهُ وَوَضْعُهَا فِي يَدِ عَدْلٍ وَلِأَنَّهُ يُخَافُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَنْ يَدَّعِي أَنَّ الشَّيْءَ لَهُ وَهُوَ فِي يَدِهِ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُقِرًّا؛ لِأَنَّ النَّظَرَ فِي تَرْكِهِ فِي يَدِهِ مُتَعَيِّنٌ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْحَاضِرَ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ الْغَائِبِ فِي اسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَعَرَّضَ لِوَدَائِعِ النَّاسِ، وَلَا لِغَيْرِهَا حَتَّى يَأْخُذَهَا مِنْ أَيْدِي مَنْ هِيَ عِنْدَهُ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ عَرَفَ الْقَاضِي مِلْكًا لِإِنْسَانٍ، ثُمَّ رَآهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ، وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ مَا لَمْ يَحْضُرْ خَصْمُهُ فَكَذَا هَذَا.

وَهَذَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ لِلْمَيِّتِ مَقْصُودًا وَلِهَذَا قُضِيَ عَلَى ذِي الْيَدِ بِكُلِّ الدَّارِ بِحُضُورِ الْبَعْضِ مِنْ الْوَرَثَةِ وَتُقْضَى بِهَا دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ فِيهِ وَصَايَاهُ، وَصَاحِبُ الْيَدِ مُخْتَارُ الْمَيِّتِ أَوْ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ، فَلَا يَنْقُضُ يَدَهُ كَمَا إذَا كَانَ مُقِرًّا، وَجُحُودُهُ قَدْ ارْتَفَعَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُضِرُّ بِهِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْجُحُودَ بَعْدَ ذَلِكَ لِكَوْنِ الْحَادِثَةِ مَعْلُومَةً لَهُ وَلِلْقَاضِي وَمُسَجَّلَةً فِي خَرِيطَةِ الْقَاضِي، وَلَا يُقَالُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَمُوتَ الْقَاضِي فَيَعُودَ إلَى الْإِنْكَارِ لِأَنَّا نَقُولُ مَوْتُ الْقَاضِي أَوْ الشُّهُودِ الَّذِينَ عَايَنُوا الْقَضَاءَ أَوْ الَّذِينَ شَهِدُوا بِأَصْلِ الْحَقِّ أَوْ نِسْيَانُهُمْ مِنْ أَنْدَرِ مَا يَكُونُ، فَلَا يُعْتَبَرُ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْمَنْقُولِ فَقَدْ قِيلَ لَا يُتْرَكُ النِّصْفُ الَّذِي هُوَ لِلْغَائِبِ بِالِاتِّفَاقِ بَلْ يُنْزَعُ مِنْهُ وَيُدْفَعُ إلَى عَدْلٍ يَحْفَظُهُ لِحَاجَتِهِ إلَى الْحِفْظِ بِخِلَافِ الْعَقَارِ؛ لِأَنَّهُ مُحْصَنٌ بِنَفْسِهِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ بَيْعَ الْمَنْقُولِ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْحِفْظِ عَلَيْهِ كَمَا لِلْأَبِ ذَلِكَ، وَكَذَا حُكْمُ وَصِيِّ الْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ عَلَى الصَّغِيرِ فِيمَا وَرِثَهُ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ حِفْظَهُ عَلَى الصَّغِيرِ دُونَ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَوَصِيُّهُمْ قَائِمٌ مَقَامَهُمْ فَيَمْلِكُ مَا يَمْلِكُونَهُ وَقِيلَ الْمَنْقُولُ أَيْضًا عَنْ الْخِلَافِ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ أَظْهَرُ بِمَعْنَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ أُخِذَ وَدُفِعَ إلَى أَمِينِ الْقَاضِي كَانَ أَمَانَةً فَكَانَ التَّرْكُ أَبْعَدَ مِنْ التَّوَى وَإِنَّمَا لَا يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ فِيهَا إنْشَاءَ خُصُومَةٍ وَالْقَاضِي نُصِبَ لِقَطْعِهَا لَا لِإِنْشَائِهَا.

وَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ، وَلَا الْقَضَاءِ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فَيُثْبِتُ الْمِلْكَ لِلْمَيِّتِ، ثُمَّ يَكُونُ لَهُمْ بِطَرِيقِ الْمِيرَاثِ عَنْهُ، وَكَذَا يَقُومُ الْوَاحِدُ مَقَامَهُ فِيمَا عَلَيْهِ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا فَيَقُومُ مَقَامَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ نَفْسِ الِاسْتِيفَاءِ فَإِنَّهُ عَامِلٌ فِيهِ لِنَفْسِهِ لَا عَنْ الْمَيِّتِ، فَلَا يَصْلُحُ نَائِبًا لَهُمْ أَيْضًا لِعَدَمِ التَّوْكِيلِ مِنْهُمْ وَلِعَدَمِ قِيَامِهِمْ فِيهِ مَقَامَ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْإِثْبَاتِ فَإِنَّهُ نَائِبٌ فِيهِ عَنْ الْمَيِّتِ فِيمَا لَهُ، وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ نَائِبًا لَهُمْ أَيْضًا فِي ضَمِنِهِ وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ إنَّمَا يَكُونُ قَضَاؤُهُ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي فِي يَدِ الْوَارِثِ الْحَاضِرِ، وَلَوْ كَانَ الْبَعْضُ فِي يَدِهِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْعَيْنِ لَا تَتَوَجَّهُ إلَّا عَلَى ذِي الْيَدِ، فَلَا يَكُونُ خَصْمًا عَنْهُمْ إلَّا فِي قَدْرِ مَا فِي يَدِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا حَيْثُ يَنْتَصِبُ فِيهِ بَعْضُ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْكُلِّ مُطْلَقًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ قَالَ مَالِي أَوْ مَا أَمْلِكُ فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ فَهُوَ عَلَى مَالِ الزَّكَاةِ، وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ كَالْوَصِيَّةِ فَيَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِالْكُلِّ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ اسْمَ الْمَالِ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: ١٨٨] وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَمُطْلَقُ الْمَالِ فِي بَابِ الصَّدَقَاتِ بِإِيجَابِ اللَّهِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْبَعْضِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى؛ {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج: ٢٤] وقَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: ١٠٣] فَكَذَا مَا يُوجِبُهُ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَالْإِرْثُ يَجْرِي فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ فَكَذَا هِيَ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَلْتَزِمُ الصَّدَقَةَ مِنْ فُضُولِ مَالِهِ وَهُوَ مَالُ الزَّكَاةِ حَالَ حَيَاتِهِ وَجَمِيعُ الْمَالِ حَالَ وَفَاتِهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ جِنْسُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَهِيَ السَّوَائِمُ وَالنَّقْدَانِ وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ سَوَاءٌ بَلَغَتْ نِصَابًا أَوْ لَمْ تَبْلُغْ قَدْرَ النِّصَابِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُقِرًّا) أَيْ لِأَنَّهُ أَمِينُ الْمَيِّتِ، فَلَا يُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ مِنْهُ تُوضَعُ فِي يَدِ أَمِينٍ آخَرَ، فَإِذَا كَانَ الَّذِي فِي يَدِهِ الدَّارُ أَمِينًا لَا يَحْتَاجُ إلَى أَمِينٍ آخَرَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْمَنْقُولِ إلَخْ) قَالَ الزَّاهِدُ الْعَتَّابِيُّ، وَلَوْ كَانَ عُرُوضًا يُؤْخَذُ مِنْ يَدِهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْعُرُوضَ يُمْكِنُ تَعْيِيبُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ) أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّ الْمَنْقُولَ يَحْتَاجُ إلَى الْحِفْظِ دُونَ الْعَقَارِ، وَالْبَيْعُ أَبْلَغُ فِي حِفْظِهِ مِنْ تَرْكِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَالْقَاضِي نُصِّبَ لِقَطْعِهَا لَا لِإِنْشَائِهَا) وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَجِدُ كَفِيلًا وَلَا يَسْمَحُ بِإِعْطَائِهِ وَالْأَخُ الْحَاضِرُ يُطَالِبُ بِهِ فَتَثُورُ الْخُصُومَةُ اهـ كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ لَا يُحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَا الْقَضَاءِ) أَيْ وَيُسَلَّمُ النِّصْفُ إلَيْهِ بِذَلِكَ الْقَضَاءِ الْكَائِنِ فِي غَيْبَتِهِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ نَفْسِ الِاسْتِيفَاءِ) أَيْ اسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ. اهـ. .

[قَالَ مالي وَمَا أملك فِي الْمَسَاكِين صَدَقَة]

(قَوْلُهُ وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ أَخَذَ بِهِ عُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَةُ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ كَالْوَصِيَّةِ فَيَلْزَمُهُ التَّصْدِيقُ بِالْكُلِّ) أَيْ بِكُلِّ مَالٍ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَالِ الزَّكَاةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ) أَيْ وَالْبَتِّيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ لِعُمُومِ اسْمِ الْمَالِ كَالْوَصِيَّةِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَتَصَدَّقُ بِثُلُثِ مَالِهِ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي لُبَابَةَ حِينَ قَالَ إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي يَجْزِيك الثُّلُثُ» اهـ كَمَالٌ.

(قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنْ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ إطْعَامٌ يَنْصَرِفُ إلَى طَعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ اسْتِدْلَالًا بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَذَا هُنَا اهـ كَاكِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>