للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَيْنَ مِلْكِ الْمُوَرِّثِ مُسْتَمِرًّا إلَى هَذَا الْوَقْتِ لَا مِلْكًا آخَرَ غَيْرَهُ كَمَا فِي الْحَيِّ إذَا أَثْبَتَ أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ يُحْكَمُ لَهُ بِهَا وَلَا يُكَلَّفُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّ مِلْكَهُ ثَابِتٌ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَكَمَا إذَا ادَّعَى فِي يَدِ إنْسَانٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ غَيْرِ ذِي الْيَدِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ وَأَنْكَرَ ذُو الْيَدِ أَنَّهَا مِلْكُ الْبَائِعِ فَأَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ يَكْتَفِي بِذَلِكَ وَيَقْضِي لَهُ بِهَا وَلَا يُكَلَّفُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ أَنَّهَا كَانَتْ لِلْبَائِعِ وَقْتَ الْبَيْعِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ فَهُوَ بَاقٍ إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يُزِيلُهُ لِاسْتِغْنَاءِ الْبَقَاءِ عَنْ دَلِيلٍ وَلَهُمَا أَنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ مُتَجَدِّدٌ ثَبَتَ لَهُ بَعْدُ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ أَحْكَامٌ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً فِي حَقِّ الْمُوَرِّثِ مِنْ اسْتِبْرَاءِ الْجَارِيَةِ وَحِلِّ وَطْئِهَا لَوْ كَانَتْ حَرَامًا عَلَى الْمُوَرِّثِ أَوْ بِالْعَكْسِ وَكَذَا يَحِلُّ لِلْوَارِثِ الْغَنِيِّ أَكْلُ صَدَقَةٍ وَرِثَهَا مِنْ الْفَقِيرِ، وَلَوْلَا تَجَدُّدُ الْمِلْكِ لَمَا حَلَّ لَهُ، فَإِذَا كَانَ مُتَجَدِّدًا فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ النَّقْلِ إلَيْهِ وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْجَرِّ لَا بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْمَيِّتِ قَبْلَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ مِلْكِهِ إلَى الْمَوْتِ يَثْبُتُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَهُوَ حُجَّةٌ لِإِبْقَاءِ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ لَا لِإِثْبَاتِ مَا لَمْ يَكُنْ وَحَاجَتِنَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَالِكِيَّةَ الْوَارِثِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ فَكَانَ مُتَجَدِّدًا ضَرُورَةً فَلَا يَثْبُتُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّفِيعَ لَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِظَاهِرِ يَدِهِ فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعِ بِهَا، وَإِنْ كَانَ يَدْفَعُ دَعْوَى غَيْرِهِ بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَثْبَتَ الْحَيُّ أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ حَيْثُ يُحْكَمُ لَهُ بِهَا؛ لِأَنَّا اعْتَبَرْنَا فِيهِ اسْتِصْحَابَ الْحَالِ لِبَقَاءِ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ وَهُوَ حُجَّةٌ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ حَيْثُ لَا يُكَلَّفُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ كَانَ مَالِكًا لَهَا وَقْتَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي مُضَافٌ إلَى الشِّرَاءِ الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ لَا إلَى اسْتِصْحَابِ الْحَالِ بِبَقَاءِ مِلْكِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلْمِلْكِ حَتَّى لَا يَتَحَقَّقَ بِدُونِ إثْبَاتِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ ثَابِتًا بِالشِّرَاءِ، وَأَمَّا فِي الْمَوْتِ فَثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ مُضَافٌ إلَى كَوْنِ الْمَالِ مِلْكَ الْمُوَرِّثِ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا إلَى الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ بِسَبَبٍ مَوْضُوعٍ لِلْمِلْكِ بَلْ مَوْضُوعٌ لِإِبْطَالِهِ فَكَمْ مِنْ مَوْتٍ لَيْسَ فِيهِ إيجَابُ الْمِلْكِ لِأَحَدٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَارِثَ لَوْ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِ بِأَنْ قَالَ: إنْ مَاتَ سَيِّدُك فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ سَبَبَ الْمِلْكِ لَصَحَّ كَمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَلَوْ شَهِدَا بِيَدِ حَيٍّ مُنْذُ شَهْرٍ رُدَّتْ) أَيْ إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ كَانَتْ فِي يَدِ فُلَانٍ مُنْذُ شَهْرٍ وَهُوَ حَيٌّ رُدَّتْ الشَّهَادَةُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مَقْصُودَةٌ كَالْمِلْكِ فَوَجَبَ أَنْ تُقْبَلَ كَمَا إذَا شَهِدَ أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَهُ مُنْذُ شَهْرٍ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمِلْكَ مَتَى ثَبَتَ يَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يُزِيلُهُ فَكَذَا الْيَدُ وَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَا بِالْأَخْذِ مِنْ الْمُدَّعِي أَوْ بِالْإِقْرَارِ مِنْهُ بِالْيَدِ لَهُ وَلَهُمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ قَامَتْ بِمَجْهُولٍ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مُنْقَضِيَةٌ وَهِيَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى مِلْكٍ وَأَمَانَةٍ وَضَمَانٍ فَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِالْمَجْهُولِ بِخِلَافِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ وَبِخِلَافِ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَيْضًا وَحُكْمُهُ مَعْلُومٌ وَهُوَ وُجُوبُ الرَّدِّ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذْت حَتَّى تَرُدَّ» وَكَذَا الْإِقْرَارُ بِالْيَدِ مَعْلُومٌ عَلَى مَا يَجِيءُ وَلِأَنَّ يَدَ صَاحِبِ الْيَدِ مُعَايَنٌ وَيَدُ الْمُدَّعِي مَشْهُودٌ بِهِ فَلَا يُعَارِضُ الْمُتَحَقِّقُ؛ لِأَنَّ الْعِيَانَ يُوجِبُ الْعِلْمَ، وَالشَّهَادَةَ تُوجِبُ غَلَبَةَ الظَّنِّ فَكَانَ أَكْثَرَ إثْبَاتًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ الْمُدَّعِي دَفَعَ إلَى الْمُدَّعِي) أَيْ لَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَدِ لِلْمُدَّعِي أَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْيَدِ لِلْمُدَّعِي مُنْذُ أَشْهُرٍ دَفَعَ ذَلِكَ إلَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مَعْلُومٌ فَتَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِهِ وَجَهَالَةُ الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ صَحَّ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْبَيَانُ وَلَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تُقْبَلُ فِيمَا لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ إنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ) أَيْ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

كَانَ الْمُوَرِّثُ مَغْرُورًا فِيهِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ: أَوْ بِالْعَكْسِ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ مَوْطُوءَةَ الْمَيِّتِ أَوْ مَوْطُوءَةَ وَارِثِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحُرِّ) أَيْ الصُّورِيِّ أَوْ الْمَعْنَوِيِّ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا إلَى الْمَوْتِ) أَيْ لَيْسَ بِمُضَافٍ إلَى الْمَوْتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَوْ شَهِدَا بِيَدِ حَيٍّ إلَخْ) قَيَّدَ بِالْحَيِّ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا شَهِدَ الْمَيِّتُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ وَقْتَ الْمَوْتِ تُقْبَلُ اتِّفَاقًا. اهـ. عَيْنِيٌّ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا آنِفًا اهـ

(قَوْلُهُ: رُدَّتْ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلِهِ: لِأَنَّ الْيَدَ مُنْقَضِيَةٌ) أَيْ زَائِلَةٌ فِي الْحَالِ وَلَيْسَتْ بِقَائِمَةٍ حَتَّى تُحْمَلَ عَلَى الْمِلْكِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: فَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِالْمَجْهُولِ) فَلَمْ يَجِبْ الرَّدُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الرَّدُّ مِنْ وَجْهٍ لَا يَجِبُ مِنْ وَجْهَيْنِ فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ الْمُدَّعِي دُفِعَ إلَى الْمُدَّعِي) قَالَ الْكَمَالُ يَعْنِي لَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّارِ الَّتِي فِي يَدِهِ هَذِهِ الدَّارُ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُدَّعِي دُفِعَتْ لِلْمُدَّعِي، وَإِنْ كَانَتْ الْيَدُ مُتَنَوِّعَةً؛ لِأَنَّ حَاصِلَ ذَلِكَ جَهَالَةٌ فِي الْمُقَرِّ بِهِ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بَلْ يَصِحُّ وَيَلْزَمُهُ الْبَيَانُ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ صَحَّ وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِأَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِ الْمُدَّعِي تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ الْإِقْرَارُ وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَإِنَّمَا الْجَهَالَةُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَشَهِدَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ شَيْئًا جَازَتْ وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ. اهـ.

[بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ]

(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ شَهَادَةِ الْأُصُولِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ شَهَادَةِ الْفُرُوعِ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ إلَخْ إذْ الْأَصْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفَرْعِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ لَا تُقْبَلُ فِيهَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَحَدُّ الزِّنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>