للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَجَازَ أَنْ تَخْلُفَهَا الشُّرُوطُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ شُهُودَ الشَّرْطِ لَا يَضْمَنُونَ بِحَالٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَاتِ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَإِلَى الْأَوَّلِ مَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ، وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالتَّفْوِيضِ وَشَاهِدَانِ بِالْإِيقَاعِ ثُمَّ رَجَعُوا كَانَ الضَّمَانُ عَلَى شَاهِدَيْ الْإِيقَاعِ؛ لِأَنَّهُ الْعِلَّةُ، وَالتَّفْوِيضُ سَبَبٌ

كِتَابُ الْوَكَالَةِ الْوَكَالَةُ الْحِفْظُ وَمِنْهُ الْوَكِيلُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا قُلْنَا فِيمَنْ قَالَ وَكَّلْتُك بِمَالِي يَمْلِكُ الْحِفْظَ فَقَطْ وَقِيلَ تَرْكِيبُهُ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى التَّفْوِيضِ وَالِاعْتِمَادِ وَمِنْهُ التَّوَكُّلُ يُقَالُ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا أَيْ فَوَّضْنَا أُمُورَنَا، وَالتَّوْكِيلُ تَفْوِيضُ التَّصَرُّفِ إلَى الْغَيْرِ وَسُمِّيَ الْوَكِيلُ وَكِيلًا؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ وَكَّلَ إلَيْهِ الْقِيَامَ بِأَمْرِهِ أَيْ فَوَّضَهُ إلَيْهِ وَاعْتَمَدَ فِيهِ عَلَيْهِ وَالْوَكِيلُ الْقَائِمُ بِمَا فُوِّضَ إلَيْهِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَقَدْ «وَكَّلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ بِشِرَاءِ الْأُضْحِيَّةِ» وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف: ١٩] الْآيَةَ وَكَانَ الْبَعْثُ مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ، وَشَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا شَرِيعَةٌ لَنَا مَا لَمْ يَظْهَرْ نَسْخُهُ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ مُبَاشَرَةِ التَّصَرُّفَاتِ وَعَنْ حِفْظِ مَالِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ أَشَدَّ الِاحْتِيَاجِ فَيَكُونُ مَشْرُوعًا دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَأَلْفَاظُهَا كُلُّ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَقَوْلِهِ وَكَّلْتُك، أَوْ هَوَيْت أَوْ أَحْبَبْت أَوْ رَضِيت أَوْ شِئْت أَوْ أَرَدْت وَلَوْ قَالَ: لَا أَنْهَاك عَنْ طَلَاقِ الْمَرْأَةِ لَا يَكُونُ تَوْكِيلًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صَحَّ التَّوْكِيلُ) لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْأَدِلَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ إقَامَةُ الْغَيْرِ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي التَّصَرُّفِ) أَيْ التَّصَرُّفُ الْجَائِزُ الْمَعْلُومُ هَذَا فِي الشَّرِيعَةِ حَتَّى إنَّ التَّصَرُّفَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا يَثْبُتُ بِهِ أَدْنَى تَصَرُّفَاتِ الْوَكِيلِ وَهُوَ الْحِفْظُ فَقَطْ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مِمَّنْ يَمْلِكُهُ) أَيْ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَكَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَسْتَفِيدُ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ مِنْهُ وَيَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ مِنْ قِبَلِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَسْتَفِيدَ الْوِلَايَةَ مِمَّنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ، وَقِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَالشَّرْطُ أَنْ تَكُونَ حَاصِلَةً بِمَا يَمْلِكُهُ الْوَكِيلُ فَأَمَّا كَوْنُ الْمُوَكِّلِ مَالِكًا لِلتَّصَرُّفِ فِيهِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى يَجُوزَ عِنْدَهُ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ بِبَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَتَوْكِيلِ الْمُحْرِمِ الْحَلَالَ بِبَيْعِ الصَّيْدِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلتَّصَرُّفِ نَظَرًا إلَى أَصْلِ التَّصَرُّفِ وَإِنْ امْتَنَعَ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ بِعَارِضِ النَّهْيِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ الْأَسْبَابِ أَحْكَامُهَا، فَإِذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْأَحْكَامُ لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا كَانَ الْوَكِيلُ يَعْقِلُ الْعَقْدَ وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا) يَعْنِي يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ مِمَّنْ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْعُقُودِ وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِمَا وَالْمُرَادُ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الشِّرَاءَ جَالِبٌ لِلْمَبِيعِ وَسَالِبٌ لِلثَّمَنِ وَالْبَيْعَ عَلَى عَكْسِهِ وَيَعْرِفُ الْغَبَنَ الْفَاحِشَ مِنْ الْيَسِيرِ وَيَقْصِدَ بِذَلِكَ ثُبُوتَ الْحُكْمِ وَالرِّبْحِ لَا الْهَزْلَ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْعِبَارَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ لِيَكُونَ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ وَذَلِكَ بِالْعَقْلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (بِكُلِّ مَا يَعْقِدُهُ بِنَفْسِهِ) أَيْ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِكُلِّ شَيْءٍ جَازَ أَنْ يَعْقِدَهُ بِنَفْسِهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَاجَةِ وَالْأَدِلَّةِ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا الْوَكِيلُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنْ يَعْقِدَ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ لَا مَا اسْتَفَادَهُ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَقَيَّدُ بِأَمْرِ آمِرِهِ، وَكَذَا لَا يَرِدُ جَوَازُ تَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ بِبَيْعِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ عَكْسٌ وَالنَّقْضُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الطَّرْدِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ الِاسْتِقْرَاضُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُبَاشِرَهُ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ حَتَّى لَوْ وَكَّلَ بِهِ وَاسْتَقْرَضَ لَهُ الْوَكِيلُ كَانَ لَهُ لَا لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِي بَابِ الْقَرْضِ لَا يَجِبُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْقَبْضِ وَالْأَمْرُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ كِتَابُ الْوَكَالَةِ]

ِ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا. اهـ. غَايَةٌ أَوْرَدَ كِتَابَ الْوَكَالَةِ عَقِيبَ كِتَابِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الشَّهَادَةِ وَالْوَكَالَةِ إعَانَةُ الْغَيْرِ بِإِحْيَاءِ حَقِّهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْحِفْظُ فَقَطْ) وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا الْأَصْلِ الْفَرْعُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَوَّلَ هَذَا الْبَابِ وَقَالَ الْكَمَالُ قَالَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ أَنْتَ وَكِيلِي فِي كُلِّ شَيْءٍ كَانَ وَكِيلًا بِالْحِفْظِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يَرِدُ جَوَازُ تَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ بِبَيْعِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ عَكْسٌ) وَيَرِدُ عَلَى طَرْدِهِ نَقْضٌ وَهُوَ أَنَّ الذِّمِّيَّ يَمْلِكُ بَيْعَ الْخَمْرِ بِنَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مُسْلِمًا بِبَيْعِهَا وَالْجَوَابُ أَنَّ الذِّمِّيَّ يَمْلِكُ بَيْعَ الْخَمْرِ بِنَفْسِهِ وَيَمْلِكُ تَمْلِيكَ غَيْرِهِ بَيْعَهَا أَيْضًا حَتَّى لَوْ وَكَّلَ ذِمِّيًّا بِذَلِكَ جَازَ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ هُنَا لِمَعْنًى فِي الْمُسْلِمِ وَهُوَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِاجْتِنَابِهَا وَفِي التَّوْكِيلِ بِبَيْعِهَا اقْتِرَابُهَا وَالْحُرْمَةُ إذَا جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْمَحَلِّ لَا تَكُونُ مَانِعَةً حَتَّى لَوْ قَالَ قَائِلٌ: كُلُّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا صَحِيحًا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْحَائِضُ وَالْمُحَرَّمَةُ لِأَنَّا نَقُولُ هُنَاكَ جَائِزٌ أَيْضًا إلَّا أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْوَطْءِ جَاءَ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ بِمَعْنًى عَارِضٍ حَتَّى إذَا انْعَدَمَ هَذَا الْمَعْنَى ظَهَرَ الْحِلُّ الَّذِي ثَبَتَ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ: لَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ مُسْلِمٍ كَافِرًا بِقَبُولِ نِكَاحِهِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ شَائِيَةِ الْعِبَارَةِ اهـ ذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي كِتَابِ السِّيَرِ فِي نَوْعٍ آخَرَ إذَا أَذِنَ الْإِمَامُ لِذِمِّيٍّ أَنْ يُؤَمِّنَ أَهْلَ الْحَرْبِ فَأَمَّنَهُمْ جَازَ أَمَانُهُمْ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ لَا يَمْلِكُ الْأَمَانَ بِنَفْسِهِ يَجِبُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْأَمَانَ بِالنِّيَابَةِ عَنْ الْغَيْرِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا وَكَّلَ ذِمِّيًّا أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>