للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُضُورُ رَأْيِهِ قَدْ حَصَلَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ بِإِذْنِهِ، وَلَوْ قَدَّرَ الْأَوَّلُ الثَّمَنَ لِلثَّانِي جَازَ عَقْدُهُ فِي غَيْبَتِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِاسْتِعْمَالِ رَأْيِهِ فِي تَقْدِيرِ الثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ وَقَدَّرَ لَهُمَا الْبَدَلَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ بِدُونِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ لَا يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ الرَّأْيِ فِي نُقْصَانِهِ فِي الشِّرَاءِ وَفِي الزِّيَادَةِ فِي الْبَيْعِ وَفِي اخْتِيَارِ مَنْ يُعَامِلَانِهِ بَلْ هُوَ مَقْصُودُهُ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ تَفْوِيضَهُ إلَيْهِمَا مَعَ تَقْدِيرِ الْبَدَلِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ وَاحِدًا؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ اسْتِعْمَالُ رَأْيِهِ فِي مُعْظَمِ الْأَمْرِ وَهُوَ تَقْدِيرُ الْبَدَلِ، وَقَدْ حَصَلَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْوَكَالَاتِ الِاسْتِرْبَاحُ عَادَةً وَهُوَ زِيَادَةُ الْبَدَلِ، وَقَدْ حَصَلَ بِتَقْدِيرِ الْبَدَل وَمَا عَدَاهُ كَالْفَضْلَةِ فَلَا يَكُونُ مَقْصُودًا بِالتَّوْكِيلِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْعُهْدَةِ فِيمَا إذَا عَقَدَ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ فَذَكَرَ الْبَقَّالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ الْحُقُوقَ تَتَعَلَّقُ بِالْأَوَّلِ وَكَذَا ذَكَرَ الْمَحْبُوبِيُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِلُزُومِ الْعُهْدَةِ لِلْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَذَكَرَ فِي حِيَلِ الْأَصْلِ وَالْعُيُونِ أَنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ وَالْعَقْدُ هُوَ السَّبَبُ لِلُّزُومِ، وَقَدْ صَدَرَ مِنْ الْمُبَاشِرِ دُونَ غَيْرِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا إذَا عَقَدَهُ وَالْأَوَّلُ غَائِبٌ فَأَجَارَهُ أَوْ عَقَدَهُ أَجْنَبِيٌّ فَأَجَازَ الْأَوَّلُ وَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ حَضْرَتِهِ. وَالْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ فَطَلَّقَ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ عَلَّقَهُ بِلَفْظِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَهُوَ يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ زَوَّجَ عَبْدٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ كَافِرٌ صَغِيرَتَهُ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ أَوْ بَاعَ لَهَا أَوْ اشْتَرَى لَمْ يَجُزْ)؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِهَؤُلَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ إنْكَاحَ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَمْلِكُ إنْكَاحَ غَيْرِهِ وَكَذَا الْكَافِرُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: ١٤١] وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ أَصْلًا وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَفْوِيضِهَا إلَى الْقَادِرِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى النَّظَرِ، وَالرِّقُّ يُزِيلُ الْقُدْرَةَ وَالْكُفْرُ يَقْطَعُ الشَّفَقَةَ عَلَى الْمُسْلِمِ فَلَا مَصْلَحَةَ فِي التَّفْوِيضِ إلَيْهِمَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْكَافِرُ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ، فَإِنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَمْوَالِهِمْ مَوْقُوفَةٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهَا تُبْنَى عَلَى النَّظَرِ وَالنَّظَرُ يَحْصُلُ بِاتِّفَاقِ الْمِلَّةِ؛ لِأَنَّ اتِّحَادَهَا دَاعٍ إلَى النَّظَرِ وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ فِي الْحَالِ فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ فِيهِ، فَإِذَا أَسْلَمَ جُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ وَإِذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ تَقَرَّرَتْ جِهَةُ انْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ فَيَبْطُلُ تَصَرُّفُهُ بِخِلَافِ تَزَوُّجِهِ بِنَفْسِهِ حَيْثُ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ جَوَازَ النِّكَاحِ يَعْتَمِدُ الْمِلَّةَ وَلَا مِلَّةَ لِلْمُرْتَدِّ فَلَا يَتَوَقَّفُ إذْ لَا مُجِيزَ لَهُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّوَقُّفِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُجِيزٌ فِي الْحَالِ فَصَارَ نَظِيرَ إعْتَاقِ الصَّبِيِّ وَطَلَاقِهِ وَهِبَتِهِ حَيْثُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْبُلُوغِ إذْ لَا مُجِيزَ لَهَا فِي الْحَالِ وَنِكَاحُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ لَهُ مُجِيزٌ فِي الْحَالِ وَهُوَ الْوَلِيُّ أَوْ الْقَاضِي فَيَتَوَقَّفُ، فَإِذَا أَسْلَمَ نَفَذَتْ فَصَحَّ النِّكَاحُ وَإِلَّا بَطَلَ وَبِخِلَافِ تَصَرُّفَاتِهِ فِي مَالِهِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهَا تَنْبَنِي عَلَى الْمِلْكِ وَمِلْكُهُ قَائِمٌ ثَابِتٌ فِي أَمْوَالِهِ مَا دَامَ حَيًّا فَيَنْفُذُ بِلَا تَوَقُّفٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

[بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ]

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الْأَوَّلِ يَجُوزُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْإِجَازَةَ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ذَكَرَ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْقِيَامِ عَلَى الدَّارِ مِنْ الْمَبْسُوطِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ ثُمَّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ حُكِيَ عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ لَكِنْ مَا ذَكَرَ مُطْلَقًا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَجَازَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ ذَلِكَ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَوْكِيلَ الْوَكِيلِ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ الْتَحَقَ بِالْعَدَمِ فَيَكُونُ الثَّانِي فُضُولِيًّا وَعَقْدُ الْفُضُولِيِّ لَا يَتِمُّ بِمُجَرَّدِ حَضْرَةِ الْمُجِيزِ مَا لَمْ يُجِزْ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ فِي رِوَايَةٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِجَازَةُ كَمَا ذَكَرْنَا وَفِي رِوَايَةٍ يَكْفِي حُضُورُ الْأَوَّلِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ وَعَلَى هَذَا أَحَدِ وَكِيلَيْ الْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ إذَا أَمَرَ صَاحِبَهُ فَبَاعَ بِحَضْرَتِهِ أَوْ آجَرَ جَازَ فِي رِوَايَةٍ وَلَا يَجُوزُ فِي رِوَايَةٍ مَا لَمْ يُجِزْ الْآمِرُ الثَّانِي أَوْ الْمَالِكُ كَذَا فِي التَّتِمَّةِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَدَّرَ الْأَوَّلُ الثَّمَنَ لِلثَّانِي جَازَ عَقْدُهُ فِي غَيْبَتِهِ) أَيْ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ اهـ وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الثَّمَنِ يَمْنَعُ النُّقْصَانَ وَلَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ وَرُبَّمَا يَزِيدُ الْأَوَّلُ عَلَى هَذَا الثَّمَنِ لَوْ كَانَ هُوَ الْمُبَاشِرَ لِلْبَيْعِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْعُهْدَةِ فِيمَا إذَا عَقَدَ الْوَكِيلُ إلَخْ) قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا لَمْ يَقُلْ لَهُ الْمُوَكِّلُ مَا صَنَعْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ لَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ، فَإِنْ وَكَّلَ غَيْرَهُ فَبَاعَ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ جَازَ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَى الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الْوَكِيلِ الثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا إذَا عَقَدَهُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَوْ بَاعَهُ الْوَكِيلُ الثَّانِي حَالَ غَيْبَةِ الْأَوَّلِ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَ أَوْ بَاعَهُ أَجْنَبِيٌّ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَ جَازَ لِأَنَّهُ حَصَلَ رَأْيُهُ. اهـ.

(بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ) لَمَّا كَانَتْ الْخُصُومَةُ مَهْجُورَةً شَرْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} [الأنفال: ٤٦] حَتَّى تُرِكَتْ حَقِيقَتُهَا إلَى مُطْلَقِ الْجَوَابِ مَجَازًا إطْلَاقًا لِاسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ أَخَّرَ ذِكْرَ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ عَمَّا لَيْسَ بِمَهْجُورٍ بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ مُجْرًى عَلَى حَقِيقَتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى لَوْ قَالَ الرَّجُلُ لِآخَرَ وَكَّلْتُك بِالْخُصُومَةِ فِي كُلِّ حَقٍّ قِبَلَ أَهْلِ بَلْدَةِ كَذَا فَهُوَ وَكِيلٌ بِالْخُصُومَةِ فِي كُلِّ حَقٍّ لَهُ قِبَلَ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ يَوْمَ التَّوْكِيلِ وَمَا يَحْدُثُ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك بِالْخُصُومَةِ قِبَلَ فُلَانٍ يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ فِي كُلِّ حَقٍّ يَكُونُ مَوْجُودًا يَوْمَ التَّوْكِيلِ اهـ خُلَاصَةَ الْفَتَاوَى

<<  <  ج: ص:  >  >>