للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالشِّرَاءِ يَمْلِكُ النَّقْدَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَصْحِبُ دَرَاهِمَ الْآمِرِ فِي كُلِّ مَكَان وَيُنْفِقُ لَهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَيَشْتَرِيهِ لَهُ وَيَحْتَاجُ إلَى النَّقْدِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَلَمْ يُجْعَلْ مُتَبَرِّعًا تَحْقِيقًا لِغَرَضِ الْآمِرِ وَنَفْيًا لِلْحَرَجِ عَنْ الْمَأْمُورِ وَقِيلَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الشِّرَاءِ فَفِي الْقِيَاسِ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ كَانَ مُقَيَّدًا بِالْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَفِي دَفْعِ مَالٍ آخَرَ هُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِي الْقَضَاءِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَيَرُدُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ، وَقَدْ كَانَ عَيَّنَهُ لِجِهَةٍ، وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ مَقْصُودَ الْآمِرِ تَحْصِيلُ الْبَرَاءَةِ، وَقَدْ حَصَلَتْ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَالَيْنِ فَلَمْ يَكُنْ التَّقْيِيدُ مُفِيدًا فَلَا يُعْتَبَرُ وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ قَدْ يُبْتَلَى بِوُجُودِ الطَّالِبِ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ مَعَهُ مَالُ الْمُوَكِّلِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَدْفَعَ مِثْلَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَأْخُذَ بَدَلَهُ مِنْ مَالِ الْآمِرِ فَكَانَ هَذَا تَوْكِيلًا بِالْمُبَادَلَةِ مِنْ وَجْهٍ وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْمُبَادَلَةِ يَكْفِي لِصِحَّةِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

(بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ) اعْلَمْ أَنَّ لِلْمُوَكِّلِ عَزْلَ الْوَكِيلِ عَنْ الْوَكَالَةِ مَتَى شَاءَ؛ لِأَنَّهَا حَقُّهُ فَيَمْلِكُ إبْطَالَهَا إلَّا إذَا تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ بِأَنْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ بِالْتِمَاسٍ مِنْ الطَّالِبِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمَطْلُوبِ، فَإِنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا خَلَّى سَبِيلَهُ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِ حَقِّهِ مَتَى شَاءَ فَلَوْ جَازَ عَزْلُهُ لَتَضَرَّرَ بِهِ الطَّالِبُ عِنْدَ اخْتِفَاءِ الْمَطْلُوبِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ فَصَارَ كَالْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ بِبَيْعِ الرَّهْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ حَاضِرًا أَوْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ مِنْ غَيْرِ الْتِمَاسِ الطَّالِبِ أَوْ كَانَتْ مِنْ جِهَتِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْخُصُومَةِ مَعَ الْمَطْلُوبِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَلِعَدَمِ تَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْوَكَالَةِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي إذْ هُوَ لَمْ يَطْلُبْ وَفِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ الْعَزْلُ إلَى الطَّالِبِ وَهُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ فَلَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ وَيُبَاشِرَ الْخُصُومَةَ بِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْخُصُومَةَ بِالْكُلِّيَّةِ وَعَلَى هَذَا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إذَا وَكَّلَ الزَّوْجُ وَكِيلًا بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ بِالْتِمَاسِهَا ثُمَّ غَابَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ بَلْ لَهُ عَزْلُهُ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الطَّلَاقِ وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ كُلَّمَا عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلِي

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ: ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ)، وَإِذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ مِنْ مَالِ الْآمِرِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ اهـ غَايَةٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ: وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ: ادْفَعْهَا إلَى فُلَانٍ قَضَاءً عَنِّي فَدَفَعَ الْوَكِيلُ غَيْرَهَا وَاحْتَبَسَهَا عِنْدَهُ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَدْفَعَ الْأَلْفَ الَّتِي احْتَبَسَ إلَى الْمُوَكِّلِ وَيَكُونَ مُتَطَوِّعًا فِيمَا دَفَعَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالدَّفْعِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ مُتَطَوِّعًا وَقَدْ بَطَلَتْ جِهَةُ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَيَلْزَمُهُ الرَّدُّ إلَى الْمَالِكِ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ أُجِيزَهُ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مَأْمُورٌ بِشِرَاءِ مَا فِي ذِمَّةِ الْآمِرِ بِالدَّرَاهِمِ وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ سُلِّمَ الْمَقْبُوضُ لَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيَحْتَاجُ إلَى النَّقْدِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إلَخْ) فَكَانَ مِنْ طَرِيقِ الدَّلَالَةِ كَأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَمَرَهُ بِأَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَكُنْ مُتَطَوِّعًا فِيمَا فَعَلَ كَالْوَصِيِّ إذَا قَضَى دَيْنَ الْمَيِّتِ إمَّا لِنَفْسِهِ أَوْ الْوَارِثِ قَضَى دَيْنَ الْمَيِّتِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَرَثَةِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا فَكَذَلِكَ هَاهُنَا قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ مَسْأَلَةُ كِتَابِ الْوَكَالَةِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَيْسَ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ مَعْنَى الشِّرَاءِ فَوَرَدَ فِيهِ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الشِّرَاءِ) أَمَّا الْإِنْفَاقُ شِرَاءٌ فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ وَجْهَا الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ بَلْ صَحَّ ذَلِكَ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا حَتَّى رَجَعَ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِمَا أَنْفَقَ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا. اهـ. غَايَةٌ

[بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ]

(بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ) أَخَّرَ الْعَزْلَ عَنْ الْوَكَالَةِ لِمَا أَنَّهُ يَقْتَضِي سَبْقَ ثُبُوتِهَا فَنَاسَبَ ذِكْرَهُ آخِرًا اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ بِأَنْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ) أَيْ وَكَّلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ مَعَ الْمُدَّعِي بِالْتِمَاسِ الْمُدَّعَى. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ) أَيْ بِلَا رِضَا الْخَصْمِ لِئَلَّا يَلْزَمَ إبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ، وَإِذَا وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ فَلَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ مَتَى شَاءَ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ اسْتِنَابَةٌ، فَإِذَا عَزَلَهُ فَقَدْ تَبَيَّنَّ أَنَّهُ اسْتَغْنَى عَنْهُ فَيَمْلِكُ ذَلِكَ إلَّا فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْخَصْمُ قَدْ أَخَذَهُ حَتَّى جَعَلَ لَهُ وَكِيلًا فِي الْخُصُومَةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: إنِّي أَخَافُ أَنْ تَغِيبَ فَوَكِّلْ وَكِيلًا إنْ غِبْت أُخَاصِمُهُ فَيُقْضَى لِي عَلَيْهِ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الطَّالِبِ فَلَا يُمْكِنُ إبْطَالُهَا إلَّا بِعِلْمِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ الْإِمَام مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ وَكِيلَهُ مَتَى شَاءَ وَيَكُونَ بِعَزْلِهِ إيَّاهُ خَارِجًا عَنْ وَكَالَتِهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِوَكَالَتِهِ حَقُّ الْغَيْرِ.

فَأَمَّا إذَا تَعَلَّقَ بِوَكَالَتِهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَلَا يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ عَزْلَهُ بِغَيْرِ رِضَا مَنْ لَهُ الْحَقُّ كَمَا لَوْ رَهَنَ مَالَهُ عِنْدَ رَجُلٍ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ وَضَعَهُ عِنْدَ رَجُلٍ عَدْلٍ وَجَعَلَ الْمُرْتَهِنَ أَوْ الْعَدْلَ مُسَلَّطًا عَلَى بَيْعِهِ عِنْدَ مَحِلِّ الْأَجَلِ ثُمَّ عَزَلَ الرَّاهِنُ الْمُسَلَّطَ عَلَى الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَزْلُ الْمُدَّعِي وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ مَعَ الْمُدَّعِي بِالْتِمَاسِ الْمُدَّعَى ثُمَّ عَزَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْمُدَّعِي فَلَا يَنْعَزِلُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَذِهِ الْوَكَالَةِ حَقُّ الْغَيْرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَتْ مِنْ جِهَتِهِ) أَيْ بِأَنْ وَكَّلَ الطَّالِبُ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ فَلَهُ عَزْلُهُ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمَطْلُوبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَصْلِ الْوَقْفِ عَلَى الْقَرَابَاتِ مَا نَصُّهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى

<<  <  ج: ص:  >  >>