للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى الْإِيقَاعِ فَتَبْقَى الْوَكَالَةُ عَلَى حَالِهَا وَمَا لَا فَلَا، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ شَيْءٍ فَبَاعَهُ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِمَا يَكُونُ فَسْخًا كَخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ خِيَارِ شَرْطٍ أَوْ عَيْبٍ بِقَضَاءٍ أَوْ لِفَسَادِ بَيْعٍ فَالْوَكِيلُ بَاقٍ عَلَى وَكَالَتِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ الْقَدِيمَ قَدْ عَادَ إلَيْهِ بِالْفَسْخِ فَتَعُودُ الْوَكَالَةُ، وَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَكُونُ فَسْخًا كَالرَّدِّ بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءٍ أَوْ إقَالَةٍ لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَالْوَكِيلُ ثَالِثُهُمَا وَالْوَكَالَةُ تَعَلَّقَتْ بِالْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَهَذَا مِلْكٌ جَدِيدٌ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّ عَلَيْهِ بِمَا يَكُونُ فَسْخًا وَلَوْ بَاعَهُ الْوَكِيلُ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِمَا يَكُونُ فَسْخًا فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ ثَانِيًا كَمَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْمُوَكِّلَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ.

وَلَوْ وَكَّلَهُ بِهِبَةِ شَيْءٍ فَوَهَبَهُ الْمَالِكُ ثُمَّ رَجَعَ بِالْهِبَةِ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَهَبَهُ؛ لِأَنَّ الْوَاهِبَ مُخْتَارٌ فِي الرُّجُوعِ فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلَ عَدَمِ حَاجَةِ الْوَاهِبِ إلَى الْهِبَةِ، وَلَوْ وَهَبَهُ الْوَكِيلُ فَرَجَعَ الْمُوَكِّلُ فِي هِبَتِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَهَبَهُ ثَانِيًا لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تُشْبِهُ الْهِبَةُ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ بِالْبَيْعِ لَا تَنْقَضِي بِمُبَاشَرَةِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ بَعْدَمَا بَاعَ يَتَوَلَّى حُقُوقَ الْعَقْدِ وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ، فَإِذَا فُسِخَ الْبَيْعُ وَالْوَكَالَةُ قَائِمَةٌ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ ثَانِيًا بِحُكْمِهَا أَمَّا الْوَكَالَةُ بِالْهِبَةِ تَنْقَضِي بِمُبَاشَرَةِ الْهِبَةِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْوَكِيلُ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ وَلَا يَصِحُّ تَسْلِيمُهُ، فَإِذَا رَجَعَ فِي هِبَتِهِ فَقَدْ عَادَ إلَيْهِ الْعَبْدُ وَلَا هِبَةَ وَلَا وَكَالَةَ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْوَكِيلُ مِنْ الْهِبَةِ ثَانِيًا، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَأَسَرَهُ الْعَدُوُّ وَأَدْخَلُوهُ فِي دَارِهِمْ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمُوَكِّلِ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ بِأَنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ لَمْ تَعُدْ الْوَكَالَةُ وَلَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْمُشْتَرَى مِنْهُمْ بِالثَّمَنِ أَوْ بِالْقِيمَةِ مِمَّنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ مِنْ الْغَانِمِينَ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَخْذِ بِهَذَا الطَّرِيقِ عَادَ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ، وَقَدْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ مُتَعَلِّقَةً بِهِ، فَإِذَا عَادَ عَادَتْ الْوَكَالَةُ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِإِعْتَاقِ أَمَتِهِ فَأَعْتَقَهَا الْمُوَكِّلُ ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ وَمَلَكَهَا لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ جَدِيدٌ غَيْرُ الْأَوَّلِ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ.

وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً مُعَيَّنَةً وَهِيَ ذَاتُ زَوْجٍ فَمَاتَ زَوْجُهَا أَوْ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَازَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ وَكَالَةٌ مُضَافَةٌ لِانْعِدَامِ الْمَحِلِّ وَقْتَ التَّوْكِيلِ وَهِيَ جَائِزَةٌ، وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً مُعَيَّنَةً فَارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ أُسِرَتْ وَأَسْلَمَتْ جَازَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهُ إيَّاهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَسْمِيَةَ الْمَرْأَةِ مُطْلَقًا تَنْصَرِفُ إلَى الْحُرَّةِ عِنْدَهُمَا وَلَا تَنْصَرِفُ عِنْدَهُ بَلْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ الْأَمَةَ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ ثُمَّ رَهَنَهُ الْمُوَكِّلُ أَوْ آجَرَهُ فَسَلَّمَهُ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(كِتَابُ الدَّعْوَى) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ حَالَةَ الْمُنَازَعَةِ) أَيْ الدَّعْوَى أَنْ يَدْعُوَ الشَّيْءَ إلَى نَفْسِهِ فِي حَالَةِ الْخُصُومَةِ وَهَذَا فِي الشَّرِيعَةِ وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ»؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينِ يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ إذَا كَانَ ثَمَّ مُنَازِعٌ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمُنَازَعَةٍ أَوْ مُسَالَمَةٍ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: ادَّعَى فُلَانٌ شَيْئًا إذَا أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ إذَا قَالَ لِي وَمِنْهُ دَعْوَةُ النَّسَبِ بِالْكَسْرِ وَالدَّعْوَةُ بِالْفَتْحِ فِي الْمَأْدُبَةِ وَقِيلَ الدَّعْوَى فِي اللُّغَةِ قَوْلٌ يَقْصِدُ بِهِ الْإِنْسَانُ إيجَابَ الشَّيْءِ عَلَى الْغَيْرِ إلَّا أَنَّ اسْمَ الْمُدَّعِي يَتَنَاوَلُ مَنْ لَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْعُرْفِ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَنْ لَهُ حُجَّةٌ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُسَمِّيهِ مُدَّعِيًا قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَبَعْدَهَا يُسَمِّيهِ مُحِقًّا لَا مُدَّعِيًا وَيُقَالُ لِمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ لَعَنَهُ اللَّهُ مُدَّعِي النُّبُوَّةِ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهَا وَلَا يُقَالُ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُدَّعِي النُّبُوَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَثْبَتَهَا بِالْمُعْجِزَةِ.

وَالدَّعْوَى اسْمٌ وَلَيْسَ بِمَصْدَرٍ وَالْفِعْلُ ادَّعَى افْتَعَلَ وَالْمَصْدَرُ ادِّعَاءٌ افْتِعَالٌ وَأَلْفُ دَعْوَى لِلتَّأْنِيثِ فَلَا يُنَوَّنُ وَجَمْعُهَا دَعَاوَى بِفَتْحِ الْوَاوِ لَا غَيْرُ كَفَتْوَى وَفَتَاوَى وَاسْمُ الْفَاعِلِ مُدَّعٍ وَالْمَفْعُولُ مُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمَالُ مُدَّعَى وَالْمُدَّعَى بِهِ خَطَأٌ ثُمَّ شَرْطُ جَوَازِ الدَّعْوَى أَنْ تَكُونَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَلَا تَصِحُّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ شَيْءٍ فَبَاعَهُ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِمَا يَكُونُ فَسْخًا كَخِيَارِ رُؤْيَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُؤَاجِرَ دَارِهِ ثُمَّ آجَرَهَا الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ يَعُودُ عَلَى وَكَالَتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً مُعَيَّنَةً إلَخْ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ بَعْدَ أَنْ رَقَّمَ لِشَرْحِ السَّرَخْسِيِّ لَهَا زَوْجٌ فَوَكَّلَتْ رَجُلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ فَلَمَّا طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا زَوَّجَهَا الْوَكِيلُ مِنْ نَفْسِهِ جَازَ قُلْت فَقَدْ صَحَّ تَوْكِيلُهَا بِهِ مَعَ عَجْزِهَا عَنْهُ وَقْتَ التَّوْكِيلِ اهـ (قَوْلُهُ: جَازَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ الْمُوَكِّلِ) لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِإِنْكَاحِهَا إيَّاهُ وَهُوَ مُتَصَوَّرٌ بِوَاسِطَةِ الْمَوْتِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَانْصَرَفَ التَّوْكِيلُ إلَيْهِ وَصَارَ كَأَنَّهُ نَصَّ عَلَى إضَافَةِ التَّوْكِيلِ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ وَالْوَكَالَاتُ مِمَّا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَالْإِضَافَةَ إلَى زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبِلِ. اهـ. غَايَةٌ

[كِتَابُ الدَّعْوَى]

(كِتَابُ الدَّعْوَى) لَمَّا كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ مِنْ أَنْوَاعِ الْوَكَالَاتِ وَهِيَ سَبَبٌ دَاعٍ إلَى الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةِ نَاسَبَ ذِكْرَ كِتَابِ الدَّعْوَى عَقِيبَ كِتَابِ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ الْمُسَبِّبَ يَقْتَضِي سَابِقِيَّةَ السَّبَبِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هِيَ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَخْ) هَذَا رُكْنُهَا لِأَنَّ رُكْنَ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ بِهِ الشَّيْءُ وَالدَّعْوَى إنَّمَا تَقُومُ بِإِضَافَةِ الْمُدَّعِي إلَى نَفْسِهِ فَكَانَ رُكْنًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّ الدَّعْوَى لَا تَكُونُ إلَّا حَالَ الْمُنَازَعَةِ لَا حَالَ الْمُسَالَمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يَقْصِدُ بِهِ الْإِنْسَانُ إيجَابَ إلَخْ) لِأَنَّهُ يُضِيفُهُ إلَى نَفْسِهِ فَيَقُولُ إنَّنِي. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْوَاوِ وَلَا غَيْرُ) هَكَذَا قَالَ فِي الْكَافِي اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>