للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا قَالَ عَلَيَّ لِفُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضٌ أَوْ غَصْبٌ أَوْ وَدِيعَةٌ أَوْ عَارِيَّةٌ قَائِمَةً أَوْ مُسْتَهْلَكَةٌ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ الْكَائِنِ وَلَيْسَ بِإِنْشَاءٍ وَالْإِخْبَارُ لَا يَقْبَلُ الْخِيَارَ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لِيَتَغَيَّرَ بِهِ صِفَةُ الْعَقْدِ وَيَتَخَيَّرَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ فَسْخِهِ وَإِمْضَائِهِ، وَالْخَبَرُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَهُوَ صِدْقٌ اخْتَارَ أَوْ لَمْ يَخْتَرْ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِاخْتِيَارِهِ وَلَا بِعَدَمِ اخْتِيَارِهِ فَتَعَيَّنَ الْإِلْغَاءُ؛ وَلِأَنَّ الْخِيَارَ فِي مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ وَالْخَبَرُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لِعَدَمِ حُكْمِهِ وَهُوَ الْإِعْدَامُ وَأَمَّا إذَا قَالَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ بِعْتُهُ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ صَحَّ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ إذَا صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ أَوْ أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ عَقْدٌ يَقْبَلُ الْخِيَارَ فَيَصِحُّ إذَا ثَبَتَ بِحُجَّةٍ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَوَارِضِ كَالْأَجَلِ وَالْقَوْلُ فِي الْعَوَارِضِ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ بِسَبَبِ كَفَالَةٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ طَوِيلَةٍ أَوْ قَصِيرَةٍ جَازَ إنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ عَقْدٌ يَصِحُّ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ بِخِلَافِ الصُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّهَا أَفْعَالٌ لَا تَقْبَلُ الْخِيَارَ فَكَذَا الْإِقْرَارُ بِهَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ) الِاسْتِثْنَاءُ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا عِنْدَنَا وَإِخْرَاجٌ بَعْدَ الدُّخُولِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ، وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ جَائِزٌ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَلَوْ كَانَ إخْرَاجًا لِمَا صَحَّ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ الرُّجُوعَ وَالرَّفْعَ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا مِائَةً أَوْ خَمْسِينَ فَعِنْدَنَا يَلْزَمُهُ تِسْعُمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ تَكَلُّمًا بِالْبَاقِي وَكَانَ مَانِعًا مِنْ الدُّخُولِ شَكَكْنَا فِي الْمُتَكَلَّمِ بِهِ وَالْأَصْلُ فَرَاغُ الذِّمَمِ فَلَا يَلْزَمُهُ الزَّائِدُ بِالشَّكِّ وَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ وَعِنْدَهُ لَمَّا دَخَلَ الْأَلْفُ كُلُّهُ صَارَ الشَّكُّ فِي الْمُخْرِجِ فَيَخْرُجُ الْأَقَلُّ وَهُوَ خَمْسُونَ وَالْبَاقِي عَلَى حَالِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صَحَّ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ مُتَّصِلًا وَلَزِمَهُ الْبَاقِي) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا وَصَارَ اسْمًا لَهُ فَيَلْزَمُهُ كَأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْبَاقِي ابْتِدَاءً ثُمَّ إطْلَاقُ لَفْظَةِ الْبَعْضِ فِي الْكِتَابِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِشَيْءٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَكْثَرَ جَائِزٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ الْفَرَّاءُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ قُلْنَا تَكَلَّمَتْ بِهِ الْعَرَبُ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: ٨٢] {إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: ٨٣] ثُمَّ قَالَ {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: ٤٢] فَاسْتَثْنَى الْمُخْلَصِينَ تَارَةً وَالْغَاوِينَ أُخْرَى فَأَيُّهُمَا كَانَ أَكْثَرَ لَزِمَهُ وَقَالَ الشَّاعِرُ

أَدُّوا الَّتِي نَقَصْت تِسْعِينَ مِنْ مِائَةٍ ... ثُمَّ ابْعَثُوا حَكَمًا بِالْعَدْلِ حُكَّامًا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَالْإِخْبَارُ لَا يَقْبَلُ الْخِيَارَ) أَيْ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ صَاحِبُهُ أَوْ كَذَّبَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْكَافِي لِلْإِسْبِيجَابِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لِيَتَغَيَّرَ) أَيْ شُرِعَ لَأَنْ يَتَغَيَّرَ إلَخْ (قَوْلُهُ جَازَ إنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ) أَيْ وَالْخِيَارُ لَهُ آخِرَ الْمُدَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تُلَائِمُ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ)؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ مِنْ الْجَهَالَةِ وَالْخَطَرِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ عَقْدُ الْبَيْعِ فَإِذَا جَازَ اشْتِرَاطُهُ فِي الْبَيْعِ فَفِي الْكَفَالَةِ أَوْلَى ثُمَّ قُدِّرَ الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يُقَدَّرْ الْخِيَارُ فِي الْكَفَالَةِ بِمُدَّةٍ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْخِيَارِ يُنَافِي حُكْمَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ الْمِلْكُ الْمُطْلَقُ وَحُكْمَ الْخِيَارِ مَنْعُ السَّبَبِ مِنْ الْعَمَلِ وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ وَحُكْمُ الْكَفَالَةِ هَاهُنَا لُزُومُ الدَّيْنِ وَأَنْ يَصِحَّ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا فَلَا يَكُونُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ مُنَافِيًا، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْخِيَارِ لَزِمَهُ الْمَالُ وَلَمْ يُصَدَّقْ عَلَى شَرْطِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ التَّأْخِيرَ وَهُوَ يُنْكِرُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

[بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ]

(بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ) لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الْإِقْرَارِ بِلَا تَغْيِيرٍ شَرَعَ فِي مُوجِبِهِ مَعَ الْمُغَيِّرِ وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّغْيِيرِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ) قَالَ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا مِائَةً أَوْ خَمْسِينَ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ كَلِمَةَ الشَّكِّ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَيَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا كَمَا لَوْ ذَكَرَ كَلِمَةَ الشَّكِّ فِي الْإِقْرَارِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا فَكَذَا هَذَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ يَلْزَمُهُ تِسْعُمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي الِاسْتِثْنَاءِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْإِقْرَارِ فَكَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ تِسْعُمِائَةٍ أَوْ تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ فَيَثْبُتُ الْأَقَلُّ قَالُوا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ حَصَلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ ظَاهِرًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَصَارَ اسْمًا لَهُ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَاسْتَثْنَى فَقَالَ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ جَائِزٌ وَعَلَيْهِ تِسْعُمِائَةٍ أَمَّا جَوَازُ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ اسْتَثْنَى بَعْضَ مَا دَخَلَ تَحْتَ اللَّفْظِ مَقْصُودًا وَاسْتِثْنَاءُ بَعْضِ مَا دَخَلَ تَحْتَ اللَّفْظِ مَقْصُودًا جَائِزٌ إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى أَقَلَّ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا فَإِذَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ صَارَ مُقِرًّا بِمَا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى وَذَلِكَ تِسْعُمِائَةٍ كَأَنَّهُ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ تِسْعُمِائَةٍ فَأَمَّا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَصِحُّ وَيَكُونُ عَلَيْهِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، وَهَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالْفَرَّاءِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَلْزَمُهُ الْأَلْفُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى أَكْثَرُ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَذَا ذَكَرَ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَوَجْهُهُ أَنَّ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ أَنَّهُمْ يَقْصِدُونَ بِالِاسْتِثْنَاءِ إخْرَاجَ الْأَقَلِّ دُونَ الْأَكْثَرِ وَنَحْنُ نَقُولُ إذَا عُرِفَ عَمَلُ الِاسْتِثْنَاءِ لَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ بَيْنَ أَنْ يَخْرُجَ الْأَقَلُّ أَوْ الْأَكْثَرُ اهـ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ) أَيْ لَزِمَ الْفَرَّاءَ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>