للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ فُلَانٍ، وَهُوَ يُنْكِرُ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ زَعْمَهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ رَجَعَ الْمُدَّعِي بِالْخُصُومَةِ وَرَدَّ الْبَدَلَ، وَلَوْ بَعْضَهُ فَبِقَدْرِهِ) يَعْنِي لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى شَخْصٍ شَيْئًا فَأَنْكَرَ ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْمُدَّعَى كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ رَدَّ الْمُدَّعِي الْعِوَضَ الَّذِي أَخَذَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ قَدْرَ مَا اُسْتُحِقَّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَرَجَعَ هُوَ بِالْخُصُومَةِ مَعَ الْمُسْتَحَقِّ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى زَعْمِهِ عِوَضًا عَمَّا ادَّعَى فَإِذَا اُسْتُحِقَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ؛ وَلِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَدْفَعْ الْعِوَضَ إلَّا لِيَدْفَعَ خُصُومَتَهُ عَنْ نَفْسِهِ لِيَبْقَى الْمُدَّعَى فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ خُصُومَةِ أَحَدٍ فَإِذَا اُسْتُحِقَّ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَقْصُودُهُ وَتَبَيَّنَ أَيْضًا أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَمْ يَكُنْ لَهُ خُصُومَةٌ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا إذَا أَدَّى الْمَكْفُولُ عَنْهُ الْمَالَ إلَى الْكَفِيلِ لِيَقْضِيَ الدَّيْنَ مِنْ عِنْدِهِ وَيَكُونَ لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ قَضَى الْمَكْفُولُ عَنْهُ الدَّيْنَ رَجَعَ عَلَى الْكَفِيلِ بِمَا أَعْطَاهُ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْمُدَّعِي بِالْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ قَامَ مَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ أَخَذَ الْمُدَّعَى مِنْهُ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ أَوْ بَعْضُهُ رَجَعَ إلَى الدَّعْوَى فِي كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ) أَيْ اُسْتُحِقَّ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ فِي يَدِ الْمُدَّعِي رَجَعَ الْمُدَّعِي إلَى الدَّعْوَى فِي كُلِّهِ إنْ اُسْتُحِقَّ كُلُّ الْعِوَضِ أَوْ فِي بَعْضِهِ إنْ اُسْتُحِقَّ الْبَعْضُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ مَا تَرَكَ الدَّعْوَى إلَّا لِيُسَلَّمَ لَهُ الْبَدَلُ فَإِذَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ رَجَعَ بِالْمُبْدَلِ، وَهُوَ الدَّعْوَى بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا بِعْتُك هَذَا الشَّيْءَ بِهَذَا وَقَالَ الْآخَرُ اشْتَرَيْت حَيْثُ يَرْجِعُ الْمُدَّعِي عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمُدَّعَى نَفْسِهِ لَا بِالدَّعْوَى؛ لِأَنَّ إقْدَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْمُبَايَعَةِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّ الْمُدَّعَى مِلْكُ الْمُدَّعِي فَلَا يُعْتَبَرُ إنْكَارُهُ بِخِلَافِ الصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لَهُ إذْ الصُّلْحُ قَدْ يَقَعُ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهَلَاكُ بَدَلِ الصُّلْحِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ كَاسْتِحْقَاقِهِ فِي الْفَصْلَيْنِ) أَيْ فِي فَصْلِ الْإِقْرَارِ وَفِي فَصْلِ الْإِنْكَارِ وَالسُّكُوتِ فَإِذَا كَانَ كَاسْتِحْقَاقِهِ يَبْطُلُ بِهِ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الْبَدَلِ فِي الْبَيْعِ يُبْطِلُ الْبَيْعَ فَكَذَا هَذَا، وَهَذَا فِي فَصْلِ الْإِقْرَارِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ حَقِيقَةً عَلَى مَا مَرَّ، وَكَذَا فِي فَصْلِ الْإِنْكَارِ وَالسُّكُوتِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي فَيَبْطُلُ بِهَلَاكِهِ فَلَوْ هَلَكَ بَعْضُهُ يَكُونُ كَاسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ حَتَّى يَبْطُلَ الصُّلْحُ فِي قَدْرِهِ وَيَبْقَى فِي الْبَاقِي كَمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ هَذَا إذَا كَانَ الْبَدَلُ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَا يَبْطُلُ بِهَلَاكِهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ فَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهِمَا عِنْدَ الْإِشَارَةِ إلَيْهِمَا، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمِثْلِهِمَا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْهَلَاكُ.

(فَصْلٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ)؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فِي حَقِّهِمَا إنْ وَقَعَ بِمَالٍ عَنْ إقْرَارٍ أَوْ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي وَحْدَهُ إنْ وَقَعَ عَنْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ وَفِي حَقِّ الْآخَرِ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ أَوْ فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ إنْ وَقَعَ عَنْهُ بِمَنَافِعَ وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَنْفَعَةُ) يَعْنِي الصُّلْحَ عَنْ دَعْوَى الْمَنْفَعَةِ أَيْضًا جَائِزٌ وَيَكُونُ بِمَعْنَى الْإِجَارَةِ إنْ وَقَعَ عَنْهُ بِمَالٍ أَوْ بِمَنَافِعَ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ فَكَذَا بِعَقْدِ الصُّلْحِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَرَثَةَ لَوْ صَالَحُوا الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ عَلَى مَالٍ أَوْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ) أَيْ فِي الصُّلْحِ عَنْ إنْكَارٍ، أَوْ سُكُوتٍ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَدْفَعْ الْعِوَضَ إلَّا لِيَدْفَعَ خُصُومَتَهُ إلَخْ) قَالَ الْكَاكِيُّ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْطَى الْمُدَّعِي شَيْئًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي أَنَّ مَا دَفَعَ إلَيْهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ لِأَنِّي أَخَذْت مِلْكِي فَكُنْت مُتَبَرِّعًا فِيمَا أُعْطِي وَلَا رُجُوعَ فِيهِ بِسَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ، أَوْ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُضْطَرٌّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ لِضَرُورَةِ قَطْعِ الْخُصُومَةِ وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا أَمَّا الْمُدَّعِي لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ فِيمَا أَعْطَى؛ لِأَنَّهُ عَلَى خِيرَتِهِ فِي دَعْوَاهُ فَكَانَ الدَّفْعُ بِاخْتِيَارِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ عَدَمُ الِاخْتِيَارِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ اهـ

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ) صُورَتُهُ صَالَحَ ذُو الْيَدِ الْمُنْكِرِ مَعَ الْمُدَّعِي عَلَى عَبْدٍ فَقَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِهَذِهِ الدَّارِ يَعْنِي أَجْرَى لَفْظَ الْبَيْعِ فِي مَقَامِ الصُّلْحِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ حَيْثُ يَرْجِعُ الْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّارِ لَا بِالدَّعْوَى اهـ.

[فَصْلٌ الصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ]

(فَصْلٌ) لَمَّا ذَكَرَ فِيمَا تَقَدَّمَ مَشْرُوعِيَّةَ الصُّلْحِ وَأَنْوَاعَهُ الثَّلَاثَةَ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَا يَجُوزُ عَنْهُ الصُّلْحُ وَمَا لَا يَجُوزُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ الصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَمَّا جَوَازُهُ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ فَلِمَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَالَحَ تُمَاضِرَ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ رُبُعِ ثُمُنِهَا عَلَى ثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَكَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَسَيَجِيءُ فِي فَصْلِ التَّخَارُجِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ) فَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ الصُّلْحُ عَنْهُ. اهـ. .

(قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَرَثَةَ لَوْ صَالَحُوا إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي بَابِ الصُّلْحِ فِي الْوَصَايَا وَإِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ لِرَجُلٍ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَصَالَحَهُ الْوَارِثُ مِنْ خِدْمَتِهِ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ عَلَى سُكْنَى بَيْتٍ، أَوْ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ آخَرَ، أَوْ عَلَى رُكُوبِ دَابَّةٍ، أَوْ عَلَى لُبْسِ ثَوْبٍ شَهْرًا فَهُوَ جَائِزٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ مِنْ أَحَدٍ بِبَدَلٍ؛ وَلِهَذَا لَوْ آجَرَ مِنْهُمْ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنَّا نَقُولُ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ إيَّاهُمْ بِبَدَلٍ بَلْ هُوَ إسْقَاطُ حَقِّهِ الَّذِي وَجَبَ لَهُ بِعَقْدِ الْوَصِيَّةِ بِبَدَلٍ وَلَفْظَةُ الصُّلْحِ لَفْظَةٌ تَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ وَتَحْتَمِلُ الْإِسْقَاطَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُهُ تَمْلِيكًا أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ إسْقَاطًا فَصَحَّحْنَاهُ إسْقَاطًا وَهُوَ حَقٌّ مُعْتَبَرٌ يُوَازِي الْمِلْكَ فَاحْتَمَلَ التَّقْوِيمَ بِالشَّرْطِ؛ وَلِهَذَا جَازَ الصُّلْحُ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ آخَرَ فَلَوْ كَانَ هَذَا تَمْلِيكًا

<<  <  ج: ص:  >  >>