للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَا يَكُونُ حُجَّةً إلَّا بِالْقَضَاءِ؛ وَلِهَذَا لَوْ نَكَلَ ثُمَّ حَلَفَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَكَذَا الْبَيِّنَةُ لَا تَكُونُ حُجَّةً إلَّا بِالْقَضَاءِ فَيُؤَخِّرُ الْقَضَاءَ حَتَّى يَنْكَشِفَ وَجْهُهُ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ بِالتَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْضَى لِلْمُتَقَدِّمِ حَتَّى يَحْلِفَ لِلْمُتَأَخِّرِ

وَلَوْ نَكَلَ لِلثَّانِي أَيْضًا قَضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُجَّةِ وَيَغْرَمُ أَلْفًا آخَرَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ؛ لِأَنَّهُ بِالنُّكُولِ أَوْجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلَّ الْأَلْفِ كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ فَإِذَا صَرَفَهُ إلَيْهِمَا فَقَدْ صَرَفَ نِصْفَ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ فَيَغْرَمُهُ فَلَوْ قَضَى لِلْأَوَّلِ حِينَ نَكَلَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَ لِلثَّانِي لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ حَتَّى لَوْ نَكَلَ لِلثَّانِي بَعْدَهُ كَانَ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لِلْأَوَّلِ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الثَّانِي وَقَالَ الْخَصَّافُ نَفَذَ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ مُجْتَهَدٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ لِلْأَوَّلِ وَلَا يُشَارِكُهُ الثَّانِي فِيهِ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ كَالْإِقْرَارِ وَوَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْعَبْدِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ فِي الْوَدَائِعِ وَالْغُصُوبِ، ثُمَّ لَا يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلثَّانِي بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ لِلْأَوَّلِ مُقْتَصِرًا عَلَى قَوْلِهِ مَا هَذَا الْعَبْدُ لِي بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ لَا يُفِيدُ بَعْدَمَا صَارَ الْعَبْدُ لِغَيْرِهِ وَهَلْ يَحْلِفُ إذَا ضَمَّ إلَيْهِ الْقِيمَةَ بِأَنْ يُقَالَ لَهُ: بِاَللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيْك هَذَا الْعَبْدُ وَلَا قِيمَتُهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَلَا أَقَلُّ مِنْهُ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُودَعَ إذَا أَقَرَّ الْوَدِيعَةِ وَدَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ يَضْمَنُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَإِنَّهُ يَقُولُ: إنَّ مَا فَاتَ مِنْ حَقِّهِ لَمْ يَفُتْ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ، وَإِنَّمَا فَاتَ بِالدَّفْعِ إلَى الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَا يَضْمَنُ وَلَكِنْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ هُوَ الَّذِي سَلَّطَ الْقَاضِيَ عَلَى الْقَضَاءِ بِهَا لِلْأَوَّلِ بِإِقْرَارِهِ، ثُمَّ أَقَرَّ لِلثَّانِي بِأَنَّهُ مُودِعٌ عِنْدَهُ وَالْمُودَعُ يَكُونُ ضَامِنًا بِالتَّسْلِيطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .

(كِتَابُ الْعَارِيَّةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ) هَذَا فِي الشَّرْعِ وَفِي اللُّغَةِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْعَارِ مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِ وَوَزْنُهَا فَعْلِيَّةٌ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ وَفِي الشَّرْعِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ وَالشَّافِعِيُّ هِيَ إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ضَرْبُ الْمُدَّةِ وَمَعَ الْجَهَالَةِ لَا يَصِحُّ التَّمْلِيكُ، وَكَذَا يُعْمَلُ فِيهِ النَّهْيُ وَلَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ مِنْ غَيْرِهِ وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَرِيَّةِ وَهِيَ الْعَطِيَّةُ فِي الثِّمَارِ بِالتَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي الْمَنْفَعَةِ كَذَلِكَ فَاقْتَضَتْ تَمْلِيكًا، وَلِهَذَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ وَلَهُ أَنْ يُعِيرَ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ وَلَوْ كَانَ إبَاحَةً لَمَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبِيحَ لِغَيْرِهِ وَهَذَا لِأَنَّ تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ مَشْرُوعٌ بِعِوَضٍ كَالْإِجَارَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا بِغَيْرِ عِوَضٍ أَيْضًا كَالْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ فِيهِ التَّمْلِيكُ بِبَدَلٍ جَازَ فِيهِ التَّمْلِيكُ بِغَيْرِ بَدَلٍ إلَّا النِّكَاحَ، وَالْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَكُلُّ جَهَالَةٍ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لَا تُوجِبُ الْفَسَادَ وَهَذَا لِأَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ، بِخِلَافِ الْمُعَاوَضَاتِ فَإِنَّهَا لَازِمَةٌ وَالْجَهَالَةُ فِيهَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ حَتَّى إذَا كَانَتْ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ كَالْخِيَاطَةِ جَازَتْ مِنْ غَيْرِ ضَرْبِ الْمُدَّةِ وَالنَّهْيُ مُنِعَ عَنْ تَحْصِيلِهِ مَا لَمْ يَحْصُلْ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدُ فَيَكُونُ امْتِنَاعًا عَنْ التَّمْلِيكِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إجَارَتُهُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ قَبْلَ الْحُدُوثِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ بِأَعَرْتُكَ) أَيْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) أَيْ قَبْلِ قَضَاءِ الْقَاضِي اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَوَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْعَبْدِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَكِنْ الْخَصَّافُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْعَبْدِ فِي أَدَبِ الْقَاضِي. اهـ. (قَوْلُهُ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الْخَصَّافُ يَنْبَغِي أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ اهـ (قَوْلُهُ بِنَاءً) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ الْبِنَاءِ أَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ فَبِالْإِقْرَارِ الْوَدِيعَةِ ضَمِنَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَكَذَا بِالنُّكُولِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَمْ يَضْمَنْ ثَمَّةَ بِالْإِقْرَارِ فَكَذَا هُنَا بِالنُّكُولِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَدَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ) أَيْ بِالْقَضَاءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

[كِتَابُ الْعَارِيَّةُ]

(كِتَابُ الْعَارِيَّةُ) (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هِيَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ وَالشَّافِعِيُّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ لَا الْإِبَاحَةَ لَكَانَ بَيَانُ الْمُدَّةِ مِنْ شَرْطِهَا؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَهَا مَعَ الْجَهَالَةِ لَا يَصِحُّ، أَصْلُهُ الْإِجَارَةُ، وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَمْلِيكًا لَجَازَ إجَارَةُ الْمُسْتَعِيرِ مِنْ غَيْرِهِ كَالْمُسْتَأْجِرِ، وَلِهَذَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ بِأَنْ قَالَ أَبَحْت رُكُوبَ هَذِهِ الدَّابَّةِ أَوْ أَبَحْت لُبْسَ هَذَا الثَّوْبِ لَك، وَكَذَلِكَ يَصِحُّ نَهْيُ الْمُعِيرِ الْمُسْتَعِيرَ عَنْ الِانْتِفَاعِ فَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ آجَرَ دَابَّتَهُ شَهْرًا ثُمَّ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَوْ نَهَاهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا لَمْ يَصِحَّ. وَجْهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّ الْعَرِيَّةَ وَالْعَارِيَّةَ أَحَدُهُمَا مُشْتَقٌّ مِنْ الْآخَرِ وَلَكِنْ خُصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِاسْمٍ فَقَالُوا فِي تَمْلِيكِ الْأَعْيَانِ عَرِيَّةٌ وَفِي تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ عَارِيَّةٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَارِيَّةُ تَمْلِيكٌ لَا إبَاحَةٌ اهـ.

(قَوْلُهُ وَلِهَذَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ مَلَّكْتُك مَنَافِعَ فِي هَذَا الْعَيْنِ شَهْرًا يَنْعَقِدُ إعَارَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَهُ إلَخْ) وَانْعِقَادُهَا بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ بِسَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ كَانْعِقَادِ الْإِجَارَةِ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يَمْلِكْ الْمُسْتَعِيرُ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ لَازِمٌ، فَلَوْ جَازَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ انْقَلَبَتْ مِنْ الْجَوَازِ إلَى اللُّزُومِ وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالْمُعِيرِ وَخَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ صِحَّةِ النَّهْيِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ جَائِزَةً كَانَ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَنْهَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبِيحَ لِغَيْرِهِ) أَيْ كَالْمُبَاحِ لَهُ الطَّعَامُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُبِيحَ مِنْ غَيْرِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>