للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُجْعَلَ عِبَارَةً عَمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْعِتْقُ وَهُوَ الْإِبْرَاءُ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَلِ أَوْ الْإِقْرَارُ بِالِاسْتِيفَاءِ لِلْكُلِّ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ أَبْرَءُوهُ جَمِيعًا أَوْ أَقَرُّوا بِالِاسْتِيفَاءِ عَتَقَ وَلَوْ أَبْرَأَهُ بَعْضُهُمْ أَوْ أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ لَا يَعْتِقُ وَكَذَا لَوْ قَبَضَ نَصِيبَ الْكُلِّ بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ لَا يَعْتِقُ إلَّا إذَا أَجَازُوا قَبْضَهُ أَوْ قَبَضَهُ بِأَمْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَبَضَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ لَمْ يَبْرَأْ عَنْ نَصِيبِ غَيْرِ الْقَابِضِ وَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يُطَالِبُوا الْمُكَاتَبَ بِهِ، وَلَوْ كَانَ لِلْمَوْلَى وَصِيٌّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا لَا يَعْتِقُ بِقَبْضِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الْقَبْضَ وَيَعْتِقُ بِقَبْضِ الْوَصِيِّ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَيَعْتِقُ بِقَبْضِ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ أَوْصَى بِمَالِ الْكِتَابَةِ لِرَجُلٍ فَسَلَّمَهُ الْمُكَاتَبُ إلَيْهِ عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَلَ الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[كِتَابُ الْوَلَاءِ]

(كِتَابُ الْوَلَاءِ) هُوَ مِنْ الْوَلْيِ بِمَعْنَى الْقُرْبِ فَهِيَ قَرَابَةٌ حُكْمِيَّةٌ حَاصِلَةٌ مِنْ الْعِتْقِ أَوْ مِنْ الْمُوَالَاةِ هَذَا فِي اللُّغَةِ يُقَالُ وَلِيَ الشَّيْءُ الشَّيْءَ إذَا حَصَلَ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ سُمِّيَ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ وَالْمُوَالَاةِ بِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَهُوَ الْإِرْثُ يَقْرَبُ وَيَحْصُلُ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ أَوْ مِنْ الْمُوَالَاةِ وَهُوَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْوَلَايَةِ بِالْفَتْحِ وَهُوَ النُّصْرَةُ وَالْمَحَبَّةُ إلَّا أَنَّهُ اخْتَصَّ فِي الشَّرْعِ بِوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ وَوَلَاءِ الْمُوَالَاةِ وَهُوَ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ التَّنَاصُرِ بِوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ أَوْ بِوَلَاءِ الْمُوَالَاةِ وَمِنْ آثَارِ التَّنَاصُرِ الْإِرْثُ وَالْعَقْلُ بِسَبَبِ هَذَا الْوَلَاءِ الْإِعْتَاقُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَالْأَصَحُّ أَنَّ سَبَبَهُ الْعِتْقُ عَلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ يُضَافُ إلَيْهِ يُقَالُ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ وَلَا يُقَالُ وَلَاءُ الْإِعْتَاقِ وَالْإِضَافَةُ دَلِيلُ الِاخْتِصَاصِ وَهُوَ بِالسَّبَبِيَّةِ وَلِأَنَّ مَنْ وَرِثَ قَرِيبَهُ فَعَتَقَ عَلَيْهِ كَانَ مَوْلًى وَلَا إعْتَاقَ مِنْ جِهَتِهِ وَالْحَدِيثُ لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ الْعِتْقُ عَلَى الْمِلْكِ هُوَ السَّبَبُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يُوجَدُ عِنْدَ الْإِعْتَاقِ لَا مَحَالَةَ وَتَخْصِيصُهُ بِهِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَلَوْ بِتَدْبِيرٍ وَكِتَابَةٍ وَاسْتِيلَادٍ وَمُلْكٍ قَرِيبٍ) لِمَا رَوَيْنَا وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَلِأَنَّ الرَّقِيقَ هَالِكٌ حُكْمًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِالْإِحْيَاءِ نَحْوِ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ وَالْمِلْكِ فِي الْأَمْوَالِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ فَكَانَ الْإِعْتَاقُ إحْيَاءً لَهُ لِثُبُوتِ أَحْكَامِ الْإِحْيَاءِ بِهِ كَالْإِحْيَاءِ بِالْإِيلَادِ فَيَرِثُ بِهِ كَمَا يَرِثُ الْأَبُ مِنْ وَلَدِهِ، وَلِهَذَا سُمِّيَ وَلَاءَ نِعْمَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَنْعَمَ عَلَيْهِ حَيْثُ أَحْيَاهُ حُكْمًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: ٣٧] أَيْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْهُدَى وَأَنْعَمْت عَلَيْهِ بِالْإِعْتَاقِ وَلِأَنَّهُ يَعْقِلُ عَنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يَرِثَهُ؛ لِأَنَّ الْغُنْمَ بِالْغُرْمِ وَالْمَرْأَةُ فِي هَذَا كَالرَّجُلِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ شَيْءٌ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ» الْحَدِيثَ. وَرُوِيَ «أَنَّ ابْنَةَ حَمْزَةَ أَعْتَقَتْ عَبْدًا لَهَا وَمَاتَ عَنْ بِنْتٍ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِصْفَ مَالِهِ لِبِنْتِهِ وَنِصْفَهُ الْآخَرَ لِبِنْتِ حَمْزَةَ» وَلِأَنَّهَا أَحْيَتْهُ حُكْمًا فَتَرِثُهُ كَالرَّجُلِ وَلَوْ أَعْتَقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَخَلَّاهُ لَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ حَتَّى إذَا خَرَجَا إلَيْنَا مُسْلِمَيْنِ لَا يَرِثُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ وَيَرِثُهُ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَلَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

كِتَابُ الْوَلَاءِ) إيرَادُ كِتَابِ الْوَلَاءِ عَقِيبَ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ ظَاهِرُ التَّنَاسُبِ لِمَا أَنَّ الْوَلَاءَ مِنْ آثَارِ التَّكَاتُبِ أَيْضًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ اخْتَصَّ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفِي الشَّرِيعَةِ يُرَادُ بِهِ الْقَرَابَةُ الْحَاصِلَةُ بِسَبَبِ الْعِتْقِ أَوْ بِسَبَبِ الْمُوَالَاةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ») رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَائِشَةَ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ وَفِي كِتَابِ الزَّكَاةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ التَّنَاصُرَ يَحْصُلُ بِالْإِعْتَاقِ وَلِهَذَا يَعْقِلُ عَنْ الْمُعْتَقِ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ عَاقِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلُ نُصْرَتِهِ.

وَلِهَذَا لَوْ كَانَ قَوْمٌ يَتَنَاصَرُونَ بِالْحِرْفَةِ كَانَ عَاقِلَتُهُمْ أَهْلَ الْحِرْفَةِ وَمَنْ لَا قَرَابَةَ لَهُ يَنْتَصِرُ بِمَوْلَاهُ وَبِعَصَبَةِ مَوْلَاهُ فَيَكُونُ مَوَالِيهِ مَوْلَاهُ وَعَصَبَتُهُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إحْيَاءٌ مَعْنَوِيٌّ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ الرِّقِّ الَّذِي هُوَ جَزَاءُ الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ وَالْكُفْرُ مَوْتٌ مَعْنًى فَكَانَ فِي الْإِعْتَاقِ إزَالَةُ الْكُفْرِ الَّذِي هُوَ الْمَوْتُ الْمَعْنَوِيُّ فَيَكُونُ الْإِعْتَاقُ إحْيَاءً مَعْنَوِيًّا وَالنَّسَبُ إحْيَاءٌ حَقِيقِيٌّ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا نَسَبَ لَهُ كَوَلَدِ الزِّنَا لَا يَبْقَى حَيًّا غَالِبًا لِعَدَمِ مَنْ يُرَبِّيهِ إذْ لَا أَبَ لَهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَلَيْسَ لِلْأُمِّ قُوَّةُ التَّرْبِيَةِ لِضَعْفِ بِنْيَتِهَا فَكَانَ النَّسَبُ إحْيَاءً حَقِيقِيًّا ثُمَّ بِالنَّسَبِ الَّذِي هُوَ الْإِحْيَاءُ الْحَقِيقِيُّ كَالْوِلَادِ مَثَلًا يَثْبُتُ اسْتِحْقَاقُ أَصْلِ الْإِرْثِ فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ بِالْإِحْيَاءِ الْمَعْنَوِيِّ الَّذِي هُوَ الْإِعْتَاقُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» إلَّا أَنَّ الْإِرْثَ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْأَعْلَى دُونَ الْأَسْفَلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ». اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرَحَ الْكَافِي: وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ سَبَبُ هَذَا الْوَلَاءِ الْإِعْتَاقُ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ فَإِنَّ مَنْ وَرِثَ قَرِيبَهُ فَعَتَقَ عَلَيْهِ كَانَ مَوْلَى وَلَا إعْتَاقَ هَاهُنَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ سَبَبَهُ الْعِتْقُ عَلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى سَبَبِهِ يُقَالُ وَلَاءُ الْعَتَاقِ وَلَا يُقَالُ وَلَاءُ الْإِعْتَاقِ اهـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ عَلَى مِلْكِهِ أَيْ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ اهـ.

(قَوْلُهُ وَأَنْعَمْت عَلَيْهِ بِالْإِعْتَاقِ) أَيْ وَهُوَ زَيْدٌ وَكَانَ عَبْدًا لِخَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَوَهَبَتْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْتَقَهُ اهـ أَتَّقَانِي (قَوْلُهُ وَلَوْ أَعْتَقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَخَلَّاهُ) أَمَّا إذَا لَمْ يُخَلِّهِ بِأَنْ قَالَ لَهُ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِهِ أَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ وَالْعَبْدُ عِنْدَهُ فَهُوَ مِلْكُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ السِّيَرِ فِي بَابِ الِاسْتِيلَادِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>