للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَالْعِوَضِ فِي الْهِبَةِ، وَكَذَا لَا يَتَحَوَّلُ وَلَدُهُ بَعْدَ مَا تَحَمَّلَ الْجِنَايَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَكَذَا إذَا عَقَلَ عَنْ وَلَدِهِ لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فِي حُكْمِ الْوَلَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَيْسَ لِلْمُعْتِقِ أَنْ يُوَالِيَ أَحَدًا)؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ لَازِمٌ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَهُوَ الْعِتْقُ فَلَا يَنْفَسِخُ وَلَا يَنْعَقِدُ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ بِوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِرْثِ بِوَلَاءِ الْمُوَالَاةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ شَخْصًا لَوْ مَاتَ وَتَرَكَ مَوْلًى أَعْتَقَهُ وَمَوْلَى مُوَالَاةٍ كَانَ الْمَالُ لِلْمُعْتِقِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ وَالَتْ امْرَأَةٌ فَوَلَدَتْ تَبِعَهَا فِيهِ) يَعْنِي وَلَدَتْ وَلَدًا لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّتْ أَنَّهَا مَوْلَاةُ فُلَانٍ وَمَعَهَا صَغِيرٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ صَحَّ إقْرَارُهَا عَلَى نَفْسِهَا وَيَتْبَعُهَا وَلَدُهَا وَيَصِيرَانِ مَوْلَى فُلَانٍ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ لَا وِلَايَةَ لَهَا فِي مَالِهِ فَأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا فِي نَفْسِهِ أَوْلَى وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ وَهُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ الَّذِي لَمْ يُدْرَ لَهُ أَبٌ فَتَمْلِكُهُ الْأُمُّ كَقَبُولِ الْهِبَةِ، وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ أَنَّهُ مُعْتَقُ فُلَانٍ فَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْوَلَاءِ أَصْلًا أَوْ قَالَ: لَا بَلْ وَالَيْتَنِي فَأَقَرَّ الْمُقِرُّ لِغَيْرِهِ بِالْوَلَاءِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بَطَلَ بِتَكْذِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يُوجَدْ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى غَيْرِهِ وَلَهُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَلَا يَبْطُلُ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ كَمَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِنَسَبٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ ادَّعَى الشَّاهِدُ أَنَّهُ وَلَدُهُ لَا يَصِحُّ فَكَذَا هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[كِتَابُ الْإِكْرَاهِ]

(كِتَابُ الْإِكْرَاهِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ فِعْلٌ يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ بِغَيْرِهِ فَيَزُولُ بِهِ الرِّضَا) وَقِيلَ الْإِكْرَاهُ فِعْلٌ يُوجَدُ مِنْ الْمُكْرَهِ فَيُحْدِثُ فِي الْمَحَلِّ مَعْنًى يَصِيرُ بِهِ مَدْفُوعًا إلَى الْفِعْلِ الَّذِي طُلِبَ مِنْهُ، وَهَذَا فِي الشَّرْعِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ حَمْلُ الْمُكْرَهِ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ يُقَالُ أَكْرَهْته عَلَى كَذَا أَيْ حَمَلْته عَلَيْهِ وَهُوَ كَارِهٌ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْمُكْرِهُ قَادِرًا عَلَى إيقَاعِ مَا هَدَّدَهُ بِهِ وَأَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْمُكْرَهِ أَنْ يُوقِعَ بِهِ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَحُكْمُهُ إذَا حَصَلَ بِهِ إتْلَافٌ أَنْ يُنْقَلَ الْفِعْلُ إلَى الْمُكْرِهِ فِيمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ آلَةً لِلْمُكْرِهِ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ عَلَى مَا يَجِيءُ تَفَاصِيلُهُ وَالْإِكْرَاهُ نَوْعَانِ مُلْجِئٌ وَغَيْرُ مُلْجِئٍ فَالْمُلْجِئُ هُوَ الْكَامِلُ وَهُوَ أَنْ يُكْرِهَهُ بِمَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى تَلَفِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ فَإِنَّهُ يُعْدِمُ الرِّضَا وَيُوجِبُ الْإِلْجَاءَ وَيُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ وَغَيْرُ الْمُلْجِئِ قَاصِرٌ وَهُوَ أَنْ يُكْرِهَهُ بِمَا لَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عَلَى تَلَفِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ كَالْإِكْرَاهِ بِالضَّرْبِ الشَّدِيدِ أَوْ الْقَيْدِ أَوْ الْحَبْسِ فَإِنَّهُ يُعْدِمُ الرِّضَا وَلَا يُوجِبُ الْإِلْجَاءَ وَلَا يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ.

وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْإِكْرَاهِ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي تَصَرُّفٍ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرِّضَا كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِقْرَارِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْهَزْلَ يُؤَثِّرُ فِيهِ لِعَدَمِ الرِّضَا حَتَّى لَا يَنْفُذَ مَعَهُ فَكَذَا مَعَ هَذَا الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَدِمُ بِهِ الرِّضَا وَالْأَوَّلُ يُؤَثِّرُ فِي الْكُلِّ فَيُضَافُ فِعْلُهُ إلَى الْمُكْرِهِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ وَالْمُكْرَهُ آلَةٌ لَهُ فِيمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ كَإِتْلَافِ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ اقْتَصَرَ الْفِعْلُ عَلَى الْمُكْرَهِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهِ أَحَدٍ وَذَلِكَ مِثْلُ الْإِقْرَارِ وَالْأَكْلِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِ غَيْرِهِ وَلَا يَأْكُلُ بِفَمِ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ مُضَافًا إلَى غَيْرِ الْمُتَكَلِّمِ وَالْآكِلِ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ إتْلَافٌ فَيُضَافُ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْإِتْلَافُ لِصَلَاحِيَّتِهِ آلَةً لَهُ فِيهِ حَتَّى إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى الْعِتْقِ يَقَعُ كَأَنَّهُ أَوْقَعَهُ بِاخْتِيَارِهِ حَتَّى يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُ وَيُضَافُ إلَى الْمُكْرَهِ مِنْ حَيْثُ الْإِتْلَافُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ، وَكَذَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الطَّلَاقِ يَقَعُ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ فِيهِ إتْلَافٌ بِأَنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَوْ أَكْرَهَ الْمَرْأَةَ عَلَى قَبُولِ الطَّلَاقِ بِالْمَالِ فَقَبِلَتْ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ لِعَدَمِ الرِّضَا؛ لِأَنَّ الرِّضَا فِي حَقِّ الْمَالِ شَرْطٌ دُونَ الطَّلَاقِ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْمُكْرَهِ وَلَا يُوجِبُ وَضْعَ الْخِطَابِ عَنْهُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ مُبْتَلًى وَالِابْتِلَاءُ يَتَحَقَّقُ بِالْخِطَابِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ أَفْعَالَهُ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَحَظْرٍ وَإِبَاحَةٍ وَرُخْصَةٍ وَيَأْثَمُ تَارَةً وَيُؤْجَرُ أُخْرَى كَسَائِرِ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ يُحَرَّمُ عَلَيْهِ قَتْلُ النَّفْسِ وَقَطْعُ طَرَفِ الْغَيْرِ وَالزِّنَا وَيُفْتَرَضُ عَلَيْهِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَيُثَابُ عَلَيْهِ إنْ امْتَنَعَ وَيُبَاحُ لَهُ بِالْإِكْرَاهِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَشُرْبُ الْخَمْرِ وَيُرَخَّصُ لَهُ بِهِ إجْرَاءُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

كِتَابُ الْإِكْرَاهِ) قِيلَ فِي مُنَاسَبَةِ الْوَضْعِ: إنَّ الْوَلَاءَ لَمَّا كَانَ مِنْ آثَارِ الْعِتْقِ وَالْعِتْقُ مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ نَاسَبَ ذِكْرَ الْإِكْرَاهِ عَقِيبَ الْوَلَاءِ، وَلِأَنَّ فِي الْإِكْرَاهِ تَغَيَّرَ حَالُ الْمُخَاطَبِ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْحِلِّ، أَلَا تَرَى أَنَّ بِالْإِكْرَاهِ يُحِلُّ مُبَاشَرَةُ مَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَهُ فِي عَامَّةِ الْمَوَاضِعِ فَكَذَلِكَ بِالْمُوَالَاةِ يَتَغَيَّرُ حَالُ الْمَوْلَى الْأَعْلَى عَنْ حُرْمَةِ تَنَاوُلِ مَالِ الْمَوْلَى الْأَسْفَلِ إلَى الْحِلِّ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَحْدُثُ فِي الْمَحَلِّ إلَخْ) وَالْمَحَلُّ هُوَ الْمُكْرَهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ) وَأَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ بِهِ مُتْلَفًا أَوْ مُزْمِنًا وَأَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ مُمْتَنِعًا عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ إمَّا لِحَقِّهِ أَوْ لِحَقِّ آدَمِيٍّ آخَرَ أَوْ لِحَقِّ الشَّرْعِ اهـ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ فَالْمُلْجِئُ هُوَ الْكَامِلُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الْإِكْرَاهُ وَهُوَ حَمْلُ الْإِنْسَانِ عَلَى مَا يَكْرَهُهُ بِحَيْثُ يَزُولُ مَعَهُ الرِّضَا عَلَى نَوْعَيْنِ كَمَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ كَامِلٌ وَيُسَمَّى مُلْجِئًا وَهُوَ الَّذِي يُعْدِمُ الرِّضَا وَيُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ وَقَاصِرٌ وَيُسَمَّى غَيْرَ مُلْجِئٍ وَهُوَ يُعْدِمُ الرِّضَا وَلَكِنْ لَا يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ وَالْمُلْجِئُ كَالتَّخْوِيفِ بِقَتْلِ النَّفْسِ وَقَطْعِ الْعُضْوِ وَالضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ الْمُتَوَالِي الَّذِي يَخَافُ مِنْهُ التَّلَفَ وَغَيْرُ الْمُلْجِئِ كَالتَّخْوِيفِ بِالْحَبْسِ وَالْقَيْدِ وَالضَّرْبِ الْيَسِيرِ اهـ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِكْرَاهَ) أَيْ عَلَى أَيِّ طَرِيقٍ وُجِدَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْمُكْرَهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا بِالذِّمَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>