للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِهِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ وَمَا رَوَاهُ مُخَالِفٌ لِلدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ فَكَانَ مَرْدُودًا أَوْ نَقُولُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ النِّسْيَانِ وَالثَّانِي دَلِيلٌ لَنَا؛ لِأَنَّهَا سَأَلَتْ عَنْ الْأَكْلِ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّكِّ فِي التَّسْمِيَةِ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَأْكُلُونَهُ إلَّا إذَا سُمِّيَ عَلَيْهِ وَهِيَ شَرْطٌ فِيهِ، وَإِنَّمَا أَمَرَهَا بِالْأَكْلِ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا يُتْرَكُ ظَاهِرًا كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا جَازَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّهُ مِلْكُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَلَّ لَوْ نَاسِيًا) أَيْ حَلَّ الْمُذَكَّى إنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ نَاسِيًا

وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَحِلُّ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْأَدِلَّةِ إذْ لَا فَضْلَ فِيهَا قُلْنَا النِّسْيَانُ مَرْفُوعٌ حُكْمُهُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَلِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ حَرَجًا بَيِّنًا وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ كَثِيرُ النِّسْيَانِ فَيُعْذَرُ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا مُذَكِّرَ لَهَا مِنْ جِهَةِ حَالِهِ كَالْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ وَتَرْكِ التَّرْتِيبِ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ مِنْ الصَّلَوَاتِ بِخِلَافِ الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ فِي الصَّلَاةِ وَالْجِمَاعِ فِي الْحَجِّ حَيْثُ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ بَيْنَ النَّاسِي وَالْعَامِدِ لِأَنَّهُ حَالَةٌ مُذَكِّرَةٌ وَالنَّصُّ غَيْرُ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ إذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ مُطْلَقًا لَجَرَتْ الْمُحَاجَّةُ بَيْنَ السَّلَفِ وَظَهَرَ الِانْقِيَادُ وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ، وَإِقَامَةُ الْمِلَّةِ مَقَامَ التَّسْمِيَةِ فِي حَقِّ النَّاسِي - وَهُوَ مَعْذُورٌ - لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِقَامَةِ فِي حَقِّ الْعَامِدِ وَلَا عُذْرَ لَهُ وَالنَّاسِي لَيْسَ بِمَخْصُوصٍ حَتَّى يُقَاسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَيُخَصَّ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّهُ ذَاكِرٌ وَمُسَمٍّ تَقْدِيرًا لِقِيَامِ الْمِلَّةِ مَقَامَهَا وَلَا يُقَالُ إنَّ الْآيَةَ مُجْمَلَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى هَلْ أُرِيدَ بِهَا حَالُ الذَّبْحِ، أَوْ الطَّبْخِ أَوْ حَالَةُ الْأَكْلِ لِأَنَّا نَقُولُ أَجْمَعَ السَّلَفُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا حَالَةُ الذَّبْحِ فَتَكُونُ مُفَسَّرَةً فَتَمَّ الِاحْتِجَاجُ بِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ ذَبِيحَةَ الْمَجُوسِيِّ لَا تُؤْكَلُ وَذَبِيحَةَ الْكِتَابِيِّ تُؤْكَلُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ يُعْقَلُ إلَّا أَنَّ الْكِتَابِيَّ يُسَمِّي عِنْدَ الذَّبْحِ دُونَ الْمَجُوسِيِّ.

ثُمَّ التَّسْمِيَةُ فِي ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ عِنْدَ الذَّبْحِ قَاصِدًا التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَلَوْ سَمَّى وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةَ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالتَّسْمِيَةِ وَظَاهِرُ حَالِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ فَيَقَعُ عَنْهَا وَلَوْ سَمَّى وَأَرَادَ بِهِ التَّسْمِيَةَ لِابْتِدَاءِ الْفِعْلِ كَسَائِرِ الْأَفْعَالِ لَا يَحِلُّ كَمَنْ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَأَرَادَ بِهِ مُتَابَعَةَ الْمُؤَذِّنِ لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ.

وَتُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ حَالَةَ الذَّبْحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: ٣٦] وَهِيَ حَالَةُ النَّحْرِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: ٣٦] وَالْمُعْتَبَرُ أَنْ يَذْبَحَ عَقِيبَ التَّسْمِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَتَبَدَّلَ الْمَجْلِسُ حَتَّى إذَا سَمَّى وَاشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ مِنْ كَلَامٍ قَلِيلٍ أَوْ شُرْبِ مَاءٍ، أَوْ أَكْلِ لُقْمَةٍ، أَوْ تَحْدِيدِ شَفْرَةٍ، ثُمَّ ذَبَحَ تَحِلُّ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَا تَحِلُّ؛ لِأَنَّ إيقَاعَ الذَّبْحِ مُتَّصِلًا بِالتَّسْمِيَةِ بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِحَرَجٍ عَظِيمٍ فَأُقِيمَ الْمَجْلِسُ مَقَامَ الِاتِّصَالِ، وَالْعَمَلُ الْقَلِيلُ لَا يَقْطَعُ الْمَجْلِسَ وَالْكَثِيرُ يَقْطَعُ وَهِيَ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَفِي الصَّيْدِ يُشْتَرَطُ عِنْدَ إرْسَالِ الْجَارِحِ أَوْ الرَّمْيِ وَهِيَ عَلَى الْآلَةِ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ وَاَلَّذِي فِي وُسْعِهِ فِي الْأَوَّلِ الذَّبْحُ، وَفِي الثَّانِي الرَّمْيُ وَالْإِرْسَالُ دُونَ الْإِصَابَةِ فَيُشْتَرَطُ عِنْدَ فِعْلٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى ثُمَّ تَرَكَهَا وَذَبَحَ غَيْرَهَا بِالسِّكِّينِ الَّذِي كَانَ مَعَهُ وَلَمْ يُسَمِّ عَلَيْهَا لَا يَحِلُّ وَلَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ وَسَمَّى فَأَصَابَ صَيْدًا آخَرَ حَلَّ وَكَذَا إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ إلَى صَيْدٍ فَتَرَكَ الْكَلْبُ ذَلِكَ الصَّيْدَ فَأَخَذَ غَيْرَهُ حَلَّ لِتَعَلُّقِ التَّسْمِيَةِ بِالْآلَةِ وَلَوْ أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى وَطَرَحَ السِّكِّينَ وَأَخَذَ سِكِّينًا آخَرَ فَذَبَحَهَا بِهِ وَلَمْ يُسَمِّ حَلَّتْ لِتَعَلُّقِهِ بِالْمَذْبُوحِ وَلَوْ سَمَّى عَلَى سَهْمٍ فَتَرَكَهُ وَأَخَذَ غَيْرَهُ فَرَمَى بِهِ لَمْ يُؤْكَلْ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ سَمَّى فَذَبَحَ شَاتَيْنِ عَلَى التَّعَاقُبِ حَلَّتْ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ وَلَوْ أَضْجَعَ إحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى فَذَبَحَهُمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً بِسِكِّينٍ وَاحِدَةٍ وَتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ حَلَّ أَكْلُهُمَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ أَنْ يَذْكُرَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ غَيْرَهُ وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الذَّبْحِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ، وَإِنْ قَالَ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ وَالْإِضْجَاعِ جَازَ) وَهَذَا النَّوْعُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَذْكُرَهُ مَوْصُولًا مِنْ غَيْرِ عَطْفٍ فَيُكْرَهُ وَلَا تَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ بِالرَّفْعِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الرَّسُولِ غَيْرُ مَذْكُورٍ عَلَى سَبِيلِ الْعَطْفِ فَيَكُونُ مُبْتَدَأً

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَالنَّصُّ) أَيْ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: ١٢١] لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْعُمُومَ ظَاهِرًا وَلِهَذَا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ نَاسِيًا وَلَمْ يَحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِحُرْمَتِهِ بِالْآيَةِ فَلَوْ جَرَتْ الْمُحَاجَّةُ بِهَا لَارْتَفَعَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِيهِ وَظَهَرَ انْقِيَادُ مَنْ قَالَ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ نَاسِيًا، وَرَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ وَحَيْثُ لَمْ تَجْرِ الْمُحَاجَّةُ وَلَمْ يَرْتَفِعْ الْخِلَافُ عُلِمَ أَنَّ الْآيَةَ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ النِّسْيَانَ بَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ الْعَمْدُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِقَامَةُ الْمِلَّةِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ حَيْثُ يَقُولُ أُقِيمَتْ الْمِلَّةُ مَقَامَ التَّسْمِيَةِ فِي حَقِّ النَّاسِي فَيَنْبَغِي أَنْ تُقَامَ الْمِلَّةُ مَقَامَهَا أَيْضًا فِي حَقِّ الْعَامِدِ فَقَالَ النَّاسِي مَعْذُورٌ لِأَنَّ النِّسْيَانَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فَأَقَامَ الْمِلَّةَ مَقَامَ التَّسْمِيَةِ فَجَعَلَهُ عَفْوًا وَالْعَامِدُ لَيْسَ بِمَعْذُورٍ فَلَا يُقَاسُ عَلَى النَّاسِي لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ. اهـ. .

[التَّسْمِيَة عِنْد الذَّبْح]

(قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ التَّسْمِيَةُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ عَلَى الْآلَةِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: ثُمَّ التَّسْمِيَةُ فِي ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ تُشْتَرَطُ عِنْدَ الذَّبْحِ وَهُوَ عَلَى الْمَذْبُوحِ، وَفِي الصَّيْدِ تُشْتَرَطُ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَالرَّمْيِ وَهِيَ عَلَى الْآلَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: أَيْ التَّسْمِيَةُ فِي ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ تَقَعُ عَلَى الذَّبِيحِ، وَفِي الصَّيْدِ تَقَعُ عَلَى الْآلَةِ وَهِيَ النُّشَّابُ وَالْكَلْبُ وَفَائِدَةُ هَذَا تَظْهَرُ فِي مَسَائِلَ ذَكَرَهَا بَعْدَ هَذَا. (قَوْلُهُ: لَا يَحِلُّ) أَيْ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ عَلَى الْحَزِّ نَفْسِهِ وَلَيْسَ عَلَى أَخْذِ السِّكِّينِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِتَعَلُّقِهِ بِالْمَذْبُوحِ) أَيْ وَهُوَ لَمْ يَتَبَدَّلْ اهـ. (قَوْلُهُ: لَمْ يُؤْكَلْ) أَيْ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الْآلَةِ وَقَدْ تَبَدَّلَتْ. اهـ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>