للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِثْلُهُ يُقَالُ لَهُ عَنْبَرٌ» الْحَدِيثَ هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ سَمَكًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَكًا فَهُوَ فِي حَالِ الْمَخْمَصَةِ وَفِيهَا تَحِلُّ الْمَيْتَةُ وَالْخَنَازِيرُ فَمَا ظَنُّك بِصَيْدِ الْبَحْرِ وَهُوَ طَاهِرٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالنُّصُوصُ عَلَى تَحْرِيمِ الْخِنْزِيرِ وَالسِّبَاعِ مُطْلَقَةٌ فَيَتَنَاوَلُ الْبَرِّيَّ وَالْبَحْرِيَّ

وَأَمَّا الطَّافِي فَيُكْرَهُ أَكْلُهُ لِقَوْلِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ فَكُلُوا وَمَا طَفَا فَلَا تَأْكُلُوا» وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِثْلُهُ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي إبَاحَتِهِمَا الطَّافِيَ وَلَا دَلِيلَ لَهُمَا فِيمَا رَوَيَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَيْتَةِ الْبَحْرِ مَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ حَتَّى يَكُونَ مَوْتُهُ مُضَافًا إلَى الْبَحْرِ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَا مَاتَ فِيهِ بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى عُرِفَ سَبَبُ مَوْتِهِ كَلَفْظَةِ الْبَحْرِ، أَوْ بِحَبْسِهِ فِي مَكَان كَالْحَظِيرَةِ الصَّغِيرَةِ الضَّيِّقَةِ الْمُتْلَفَةِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ، أَوْ بِابْتِلَاعِ سَمَكَةٍ، أَوْ بِقَتْلِ طَيْرِ الْمَاءِ إيَّاهَا أَوْ بِانْجِمَادِ الْمَاءِ عَلَيْهَا فَمَاتَتْ حَلَّ أَكْلُهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ مَوْتِهَا مَعْلُومٌ وَلَوْ مَاتَتْ مِنْ شِدَّةِ حَرِّ الْمَاءِ، أَوْ بَرْدِهِ قِيلَ تُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ لِمَوْتِهَا سَبَبًا مَعْلُومًا وَقِيلَ لَا تُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَقْتُلُ السَّمَكَ حَارًّا كَانَ أَوْ بَارِدًا، وَإِنْ انْحَسَرَ الْمَاءُ عَنْ بَعْضِهِ وَمَاتَ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ رَأْسُهُ فِي الْمَاءِ لَا يُؤْكَلُ، وَإِنْ كَانَ ذَنَبُهُ فِي الْمَاءِ وَرَأْسُهُ انْحَسَرَ عَنْهُ الْمَاءُ أُكِلَ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ رَأْسِهِ عَنْ الْمَاءِ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ فَكَانَ سَبَبُ مَوْتِهِ مَعْلُومًا بِخِلَافِ خُرُوجِ ذَنَبِهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ أَنْ يَعْلَمَ بِأَيِّ سَبَبٍ مَاتَ حَتَّى لَوْ أَبَانَ عُضْوَهُ بِضَرْبٍ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَيُؤْكَلُ الْعُضْوُ أَيْضًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَلَّ بِلَا ذَكَاةٍ كَالْجَرَادِ) أَيْ حَلَّ السَّمَكُ بِلَا ذَكَاةٍ كَالْجَرَادِ رَوَيْنَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً فَتَحَرَّكَتْ، أَوْ خَرَجَ الدَّمُ حَلَّ، وَإِلَّا لَا إنْ لَمْ يَدْرِ حَيَاتَهُ، وَإِنْ عَلِمَ حَلَّ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ وَلَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ) لِأَنَّ الْحَرَكَةَ وَخُرُوجَ الدَّمِ لَا يَكُونَانِ إلَّا مِنْ الْحَيِّ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَتَحَرَّكُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ الدَّمُ فَيَكُونُ وُجُودُهُمَا أَوْ وُجُودُ أَحَدِهِمَا عَلَامَةَ الْحَيَاةِ فَيَحِلُّ، وَعَدَمُهُمَا عَلَامَةُ الْمَوْتِ فَلَا يَحِلُّ إلَّا إذَا عَلِمَ حَيَاتَهَا عِنْدَ الذَّبْحِ فَيَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ فَلَا يُحْكَمُ بِزَوَالِ الْحَيَاةِ بِالشَّكِّ، وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ إنْ خَرَجَ الدَّمُ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ لَا يَحِلُّ لِأَنَّ الدَّمَ لَا يَنْجَمِدُ عِنْدَ مَوْتِهِ فَيَجُوزُ خُرُوجُ الدَّمِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهَذَا يَتَأَتَّى فِي الْمُنْخَنِقَةِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّطِيحَةِ وَاَلَّتِي بَقَرَ الذِّئْبُ بَطْنَهَا؛ لِأَنَّ ذَكَاةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تُحَلِّلُ، وَإِنْ كَانَتْ حَيَاتُهَا خَفِيَّةً فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: ٣] وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا إنَّمَا تَحِلُّ إذَا كَانَتْ بِحَالٍ تَعِيشُ يَوْمًا لَوْلَا الذَّكَاةُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يَعِيشُ مِثْلُهُ لَا يَحِلُّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَ بِحَالٍ يَعِيشُ فَوْقَ مَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ يَحِلُّ، وَإِلَّا فَلَا وَسَنُبَيِّنُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الصَّيْدِ وَلَوْ ذُبِحَتْ شَاةٌ مَرِيضَةٌ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ مِنْهَا إلَّا فُوهَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إنْ فَتَحَتْ فَاهَا لَا تُؤْكَلُ، وَإِنْ ضَمَّتْ عَيْنَهَا أُكِلَتْ، وَإِنْ مَدَّتْ رِجْلَهَا لَا تُؤْكَلُ، وَإِنْ قَبَضَتْ رِجْلَهَا أُكِلَتْ، وَإِنْ نَامَ شَعْرُهَا لَا تُؤْكَلُ، وَإِنْ قَامَ شَعْرُهَا أُكِلَتْ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ يَسْتَرْخِي بِالْمَوْتِ فَفَتْحُ الْفَمِ وَالْعَيْنِ وَمَدُّ الرِّجْلِ وَنَوْمُ الشَّعْرِ عَلَامَةُ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهَا اسْتِرْخَاءٌ، وَضَمُّ الْفَمِ وَتَغْمِيضُ الْعَيْنِ وَقَبْضُ الرِّجْلِ وَقِيَامُ الشَّعْرِ لَيْسَتْ بِاسْتِرْخَاءٍ بَلْ هِيَ حَرَكَاتٌ تَخْتَصُّ بِالْحَيِّ فَتَدُلُّ عَلَى حَيَاتِهِ وَقَالَ قَاضِيخَانْ: هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ حَيَاتَهُ وَقْتَ الذَّبْحِ، وَإِنْ عَلِمَ حَيَاتَهُ وَقْتَ الذَّبْحِ أُكِلَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: مَا نَضَبَ) النُّضُوبُ ذَهَابُ الْمَاءِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِلزَّاهِدِيِّ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي السَّمَكِ عِنْدَنَا إذَا مَاتَ بِآفَةٍ يَحِلُّ كَالْمَأْخُوذِ وَالْمَيِّتِ بِالْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالِانْخِنَاقِ تَحْتَ الْجَمَدِ أَوْ إبَانَةِ بَعْضِهِ أَوْ اصْطِيَادِ غَيْرِهِ وَنَحْوِهَا، وَإِذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ آفَةٍ لَا يَحِلُّ كَالطَّافِي اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُؤْكَلُ الْعُضْوُ أَيْضًا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، ثُمَّ الْأَصْلُ عِنْدَنَا فِي السَّمَكِ أَنَّهُ إذَا مَاتَ بِآفَةٍ يَحِلُّ كَالْمَأْخُوذِ، وَإِذَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ لَا يَحِلُّ كَالطَّافِي وَتَنْسَحِبُ عَلَيْهِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ مِنْهَا إذَا ضَرَبَهَا رَجُلٌ فَقَطَعَ بَعْضَهَا يَحِلُّ الْمُبَانُ وَالْمُبَانُ مِنْهُ لِأَنَّهُ مَاتَ بِآفَةٍ ظَاهِرَةٍ وَالْمُبَانُ مِنْ الْحَيِّ، وَإِنْ كَانَ مَيْتَةً لَكِنْ حَلَّ الْمُبَانُ هُنَاكَ لِأَنَّ مَيْتَةَ السَّمَكِ حَلَالٌ بِالْحَدِيثِ وَمِنْهَا إنْ وَجَدَ فِي بَطْنِهَا سَمَكَةً أُخْرَى أَوْ قَتَلَهَا طَيْرٌ لِمَاءٍ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا لِأَنَّ الْمَوْتَ مُحَالٌ إلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ وَهُوَ ابْتِلَاعُ السَّمَكَةِ أَوْ قَتْلُ الطَّيْرِ. اهـ. .

[مَا يَحِلّ بِلَا ذكاة]

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً فَتَحَرَّكَتْ أَوْ خَرَجَ الدَّمُ) اُنْظُرْ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ أَكَلَ الصَّيْدَ وَالْعُضْوَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا إلَخْ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ رَجُلٌ ذَبَحَ شَاةً أَوْ بَقَرَةً فَهَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إنْ تَحَرَّكَ بَعْدَ الذَّبْحِ وَخَرَجَ مِنْهُ دَمٌ مَسْفُوحٌ أَوْ تَحَرَّكَ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ دَمٌ مَسْفُوحٌ أَوْ خَرَجَ مِنْهُ دَمٌ مَسْفُوحٌ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ فَفِي الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ يَحِلُّ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَلَامَةَ الْحَيَاةِ وَعَلَامَةُ الْحَيَاةِ أَحَدُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا الدَّمُ الْمَسْفُوحُ أَوْ الْحَرَكَةُ، وَفِي الْوَجْهِ الرَّابِعِ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَتَحَرَّكْ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ دَمٌ مَسْفُوحٌ لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ عَلَامَةُ الْحَيَاةِ وَلَكِنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ حَيَاتَهُ وَقْتَ الذَّبْحِ فَإِنْ عَلِمَ حَلَّ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ دَمٌ أَصْلًا اهـ. (قَوْلُهُ: هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ حَيَاتَهُ وَقْتَ الذَّبْحِ) قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ لَا بُدّ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ يَعِيشُ يَوْمًا أَوْ نَحْوَهُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ ذُبِحَ وَهُوَ حَيٌّ حَلَّ أَكْلُهُ وَلَا تَوْقِيتَ فِيهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَوْلُهُ: حَلَّ أَكْلُهُ أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: ٣] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>