للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا صَلَّى بِغَيْرِ شَهَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ التَّحَرُّزُ عَنْ مِثْلِهِ، وَوَقْتُهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوَّلُهَا أَفْضَلُهَا يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِمْ، وَهُوَ كَالْمَرْفُوعِ فِي مِثْلِهِ مِنْ الْمَقَادِيرِ؛ لِأَنَّ الرَّأْيَ لَا يُهْتَدَى إلَيْهِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ أَوَّلُهَا أَفْضَلَ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُسَارَعَةً إلَى الْخَيْرِ، وَيَجُوزُ الذَّبْحُ فِي لَيَالِيِهَا إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ فِي الظُّلْمَةِ، وَأَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيْضًا ثَلَاثَةٌ وَالْكُلُّ يَمْضِي بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَوَّلُهَا نَحْرٌ لَا غَيْرُ وَآخِرُهَا تَشْرِيقٌ لَا غَيْرُ وَالْمُتَوَسِّطَانِ نَحْرٌ، وَتَشْرِيقٌ وَالتَّضْحِيَةُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِثَمَنِ الْأُضْحِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَقَعُ وَاجِبَةً إنْ كَانَ غَنِيًّا وَسُنَّةً إنْ كَانَ فَقِيرًا، وَهِيَ وَاجِبَةٌ عِنْدَ الْبَعْضِ وَسُنَّةٌ عِنْدَ الْبَعْضِ وَالتَّصَدُّقُ بِالثَّمَنِ تَطَوُّعٌ مَحْضٌ فَكَانَتْ هِيَ أَفْضَلَ؛ وَلِأَنَّهَا تَفُوتُ بِفَوَاتِ، وَقْتِهَا، وَالتَّصَدُّقُ لَا يَفُوتُ فَكَانَتْ أَفْضَلَ وَنَظِيرُهُ الطَّوَافُ لِلْآفَاقِيِّ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ بِالرُّجُوعِ يَفُوتُ بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهَا خَيْرُ مَا وُضِعَ، وَلَوْ لَمْ يُضَحِّ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ، وَكَانَ غَنِيًّا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْقِيمَةِ سَوَاءٌ كَانَ اشْتَرَى أَوْ لَمْ يَشْتَرِ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ إلَّا بِالْأَدَاءِ كَالْجُمُعَةِ تُقْضَى ظُهْرًا، وَالصَّوْمُ بَعْدَ الْعَجْزِ فِدْيَةً

وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَإِنْ كَانَ اشْتَرَى الْأُضْحِيَّةَ أَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ بِالنَّذْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِذَلِكَ الَّذِي أَوْجَبَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ؛ لِأَنَّهَا تَعَيَّنَتْ بِالشِّرَاءِ بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ أَوْ بِالنَّذْرِ فَلَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهَا إلَّا إذَا كَانَ قَدْرُ قِيمَتِهَا بِخِلَافِ الْغَنِيِّ؛ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَاجِبَةٌ فِي ذِمَّتِهِ فَيُجْزِئُهُ التَّصَدُّقُ بِالشَّاةِ عَنْهُ أَوْ بِقِيمَتِهَا، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا إذَا الْتَزَمَ التَّضْحِيَةَ بِالنَّذْرِ، وَعَنَى بِهِ غَيْرَ الْوَاجِبِ فِي ذِمَّتِهِ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْمَنْذُورِ كَمَا بَيَّنَّا فِي حَقِّ الْفَقِيرِ مَعَ الْوَاجِبِ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ، وَهِيَ الشَّاةُ الَّتِي وَجَبَتْ بِسَبَبِ الْيَسَارِ، وَكَذَا إذَا أَطْلَقَ النَّذْرَ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّتِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مَعَهُ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْوَاجِبَ بِسَبَبِ الْغِنَى لَا يَلْزَمُهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ إيجَابٌ وَالْإِيجَابُ يَنْصَرِفُ إلَى غَيْرِ الْوَاجِبِ ظَاهِرًا، وَلَكِنْ يَحْتَمِلُ الصَّرْفَ إلَى الْوَاجِبِ تَأْكِيدًا لَهُ، وَنَظِيرُهُ النَّذْرُ بِالْحَجِّ، وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ حَجَّةٌ أُخْرَى إلَّا إذَا عَنَى بِهِ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُضَحِّي بِالْجَمَّاءِ)، وَهِيَ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْقَرْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَقْصُودٌ، وَكَذَا مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ بَلْ أَوْلَى لِمَا قُلْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْخَصِيُّ)، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ لَحْمَهُ أَطْيَبُ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ» الْأَمْلَحُ الَّذِي فِيهِ مُلْحَةٌ، وَهُوَ الْبَيَاضُ الَّذِي يَشُقُّهُ شُعَيْرَاتٌ سُودٌ، وَهِيَ مِنْ لَوْنِ الْمِلْحِ وَالْمَوْجُوءُ الْمَخْصِيُّ الْوِجَاءُ هُوَ أَنْ يَضْرِبَ عُرُوقَ الْخُصْيَةِ بِشَيْءٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالثَّوْلَاءِ)، وَهِيَ الْمَجْنُونَةُ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ إذَا كَانَتْ تُعْتَلَفُ بِأَنْ كَانَتْ سَمِينَةً، وَلَمْ يَمْنَعْهَا مِنْ السَّوْمِ وَالرَّعْيِ، وَإِنْ كَانَ يَمْنَعُهَا مِنْهُ لَا يُجْزِئُهُ، وَالْجَرْبَاءُ إنْ كَانَتْ سَمِينَةً، وَلَمْ يُتْلَفْ جِلْدُهَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لَا بِالْعَمْيَاءِ وَالْعَوْرَاءِ وَالْعَجْفَاءِ وَالْعَرْجَاءِ) أَيْ الَّتِي لَا تَمْشِي إلَى الْمَنْسَكِ أَيْ الْمَذْبَحِ لِمَا رُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَالْعَجْفَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا وَالْكَبِيرَةُ الَّتِي لَا تُنْقِي» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَقْطُوعِ أَكْثَرِ الْأُذُنِ أَوْ الذَّنَبِ أَوْ الْعَيْنِ أَوْ الْأَلْيَةِ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ، وَأَنْ لَا نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ، وَلَا مُدَابَرَةٍ وَلَا شَرْقَاءَ، وَلَا خَرْقَاءَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ الْمُقَابَلَةُ قَطْعٌ مِنْ مُقَدَّمِ أُذُنِهَا وَالْمُدَابَرَةُ قَطْعٌ مِنْ مُؤَخَّرِ أُذُنِهَا وَالشَّرْقَاءُ أَنْ يَكُونَ الْخَرْقُ فِي أُذُنِهَا طُولًا وَالْخَرْقَاءُ أَنْ يَكُونَ عَرْضًا، وَإِنْ بَقِيَ أَكْثَرُ الْأُذُنِ جَازَ، وَكَذَا أَكْثَرُ الذَّنَبِ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ الذَّبْحُ فِي لَيَالِيِهَا)، وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ الذَّبْحُ فِي اللَّيْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ يَحْتَمِلُ الصَّرْفَ إلَخْ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ، وَإِذَا اشْتَرَى شَاةً يُرِيدُ أُضْحِيَّةً فِي ضَمِيرِهِ فَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لَا تَصِيرُ أُضْحِيَّةً حَتَّى يُوجِبَهَا بِلِسَانِهِ لَكِنْ الْمَذْهَبُ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنْ يَنْظُرَ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي غَنِيًّا لَا يَصِيرُ وَاجِبًا فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجِبُ أَنْ يَتَعَيَّنَ بِالْعَقْدِ فَإِنْ وَهَبَ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَنَوَى بِقَلْبِهِ لَا تَصِيرُ أُضْحِيَّةً بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَصْلُحُ لِلتَّعَيُّنِ فِي الْإِيجَابِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الشَّاةُ عِنْدَهُ فَأَضْمَرَ بِقَلْبِهِ الْأُضْحِيَّةَ لَا تَصِيرُ أُضْحِيَّةً بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَصِيرُ أُضْحِيَّةً لَا يَنْبَغِي أَنْ يَبِيعَهَا؛ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ لَا تُبَاعُ فَإِنْ بَاعَهَا قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَ مُضِيِّهَا نَفَذَ الْبَيْعُ، وَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَنْفُذُ الْبَيْعُ، وَلَا الْهِبَة بَلْ يَتَصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عِنْدَهُ إلَّا فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَهُ، وَهِيَ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ حَجَّهُ وَعُمْرَتَهُ فَكَذَا هُنَا. اهـ.

[مَا يُضَحَّى بِهِ]

(قَوْلُهُ: يَشُقُّهُ) كَذَا عَبَّرَ فِي الْمُغْرِبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمَوْجُوءُ الْمَخْصِيُّ) سَيَجِيءُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْكَرَاهِيَةِ أَيْضًا أَنَّ الْمَوْجُوءَ هُوَ الْمَخْصِيُّ (قَوْلُهُ: هُوَ أَنْ يَضْرِبَ عُرُوقَ الْخُصْيَةِ بِشَيْءٍ) قُلْت الْمَخْصِيُّ مَنْزُوعُ الْخُصْيَتَيْنِ وَالْمَوْجُوءُ الَّذِي يَلْوِي عُرُوقَ الْخُصْيَةِ فَيَصِيرُ كَالْخَصِيِّ. اهـ عَيْنِيٌّ.

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ لَا بِالْعَمْيَاءِ وَالْعَوْرَاءِ وَالْعَجْفَاءِ إلَخْ)، وَلَا الْجَدْعَاءِ، وَهِيَ مَقْطُوعَةُ الْأَنْفِ. اهـ. مَنَاسِكُ الْكَرْمَانِيِّ (قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ، وَلَا مُدَابَرَةٍ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْمُقَابَلَةُ عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ الشَّاةُ الَّتِي قُطِعَ مِنْ أُذُنِهَا قِطْعَةٌ، وَلَا تَبِينُ، وَتَبْقَى مُعَلَّقَةً مِنْ قُدُمٍ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أُخُرٍ فَهِيَ الْمُدَابَرَةُ، وَقُدُمٌ بِضَمَّتَيْنِ بِمَعْنَى الْمُقَدَّمِ وَأُخُرٌ بِضَمَّتَيْنِ أَيْضًا بِمَعْنَى الْمُؤْخِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا شَرْقَاءَ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ، وَتَجُوزُ الشَّرْقَاءُ، وَهِيَ مَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ طُولًا، وَكَذَا الْمُقَابَلَةُ، وَهِيَ الَّتِي شُقَّتْ أُذُنَاهَا مِنْ قِبَلِ وَجْهِهَا، وَهِيَ مُتَدَلِّيَةٌ، وَكَذَا الْمُدَابَرَةُ، وَهِيَ الَّتِي شُقَّتْ أُذُنَاهَا مِنْ خَلْفِهَا، وَكَذَا الَّتِي عَلَى أُذُنِهَا كَيٌّ أَوْ سِمَةٌ. اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>