للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّغَنِّي الْمُجَرَّدِ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَالِاسْتِمَاعُ إلَيْهِ مَعْصِيَةٌ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَوْ سَمِعَ بَغْتَةً فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَغَنَّى لِيَسْتَفِيدَ بِهِ فَهْمَ الْقَوَافِي وَالْفَصَاحَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجُوزُ التَّغَنِّي لِدَفْعِ الْوَحْشَةِ إذَا كَانَ وَحْدَهُ، وَلَا يَكُونُ عَلَى سَبِيلِ اللَّهْوِ، وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -، وَلَوْ كَانَ فِي الشِّعْرِ حِكَمٌ أَوْ عِبَرٌ أَوْ فِقْهٌ لَا يُكْرَهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِيهِ ذِكْرُ امْرَأَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً، وَهِيَ مَيِّتَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ حَيَّةً يُكْرَهُ.

(فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (حَرُمَ لِلرَّجُلِ لَا لِلْمَرْأَةِ لُبْسُ الْحَرِيرِ إلَّا قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ) أَيْ حَرُمَ عَلَى الرَّجُلِ لَا عَلَى الْمَرْأَةِ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَاللَّامُ تَأْتِي بِمَعْنَى عَلَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: ٧] أَيْ فَعَلَيْهَا، وَإِنَّمَا حَرُمَ لُبْسُ الْحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَحَلَّ الذَّهَبَ وَالْحَرِيرَ لِلْإِنَاثِ مِنْ أُمَّتِهِ وَحَرَّمَ عَلَى ذُكُورِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ»، وَعَنْ أَنَسٍ مِثْلُهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ إلَّا أَنَّ الْيَسِيرَ عَفْوٌ مِقْدَارُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ كَمَا ذَكَرَ هُنَا لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إلَّا هَكَذَا وَرَفَعَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى وَضَمَّهُمَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ، وَفِي لَفْظٍ «نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إلَّا مَوْضِعَ أُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد وَجَمَاعَةٌ آخَرُونَ، وَعَنْ «أَسْمَاءَ أَنَّهَا أَخْرَجَتْ جُبَّةَ طَيَالِسَةٍ عَلَيْهَا لِبْنَةُ شِبْرٍ مِنْ دِيبَاجٍ كِسْرَوَانِيٍّ وَفَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ بِهِ فَقَالَتْ هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَلْبَسُهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَلَمَّا قُبِضَتْ عَائِشَةُ قَبَضْتَهَا إلَيَّ فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرِيضِ فَيُسْتَشْفَى بِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَةَ الشِّبْرِ، وَعَنْ مُعَاوِيَةَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رُكُوبِ النِّمَارِ، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إلَّا مُقَطَّعًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَكَذَا الثَّوْبُ الْمَنْسُوجُ بِالذَّهَبِ لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يُكْرَهُ، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَكَذَا تِكَّةُ الْحَرِيرِ وَلِبْنَتُهُ، وَهُوَ الْقَبُّ لَا يَحِلُّ لِلرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ تَامٌّ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَحَلَّ تَوَسُّدُهُ وَافْتِرَاشُهُ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَذَكَرَهُ أَبُو اللَّيْثِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمُحَمَّدٍ مَا رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَانَا أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْجُلُوسِ عَلَى الْمَيَاثِرِ» وَالْمَيَاثِرُ شَيْءٌ كَانَتْ تَصْنَعُهُ النِّسَاءُ لِبُعُولَتِهِنَّ عَلَى الرَّحْلِ كَالْقَطَائِفِ مِنْ الْأُرْجُوَانِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: لَأَنْ أَتَّكِئَ عَلَى جَمْرِ الْغَضَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَّكِئَ عَلَى مَرَافِقِ الْحَرِيرِ، وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أُتِيَ بِدَابَّةٍ عَلَى سَرْجِهَا حَرِيرٌ فَقَالَ هَذَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَنَا فِي الْآخِرَةِ؛ وَلِأَنَّ التَّنَعُّمَ بِالتَّوَسُّدِ وَالِافْتِرَاشِ مِثْلُ التَّنَعُّمِ بِاللُّبْسِ، وَهُوَ زِيُّ الْأَكَاسِرَةِ وَالتَّشَبُّهُ بِهِمْ حَرَامٌ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إيَّاكُمْ وَزِيَّ الْأَعَاجِمِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَسَ عَلَى مِرْفَقَةِ حَرِيرٍ»؛ وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْمَلْبُوسِ مُبَاحٌ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ]

(فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ) (قَوْلُهُ: كِسْرَوَانِيَّةٍ) مَنْسُوبٌ إلَى كِسْرَى، وَهُوَ لَقَبُ مُلُوكِ الْفَرَسِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا مُقَطَّعًا) أَيْ الْيَسِيرَ مِنْهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ)، وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَنْ نَوَادِرِ هِشَامٍ أَنَّ مُحَمَّدًا كَرِهَ تِكَّةَ الدِّيبَاجِ وَالْإِبْرَيْسَمَ، وَقَالَ فِي فَتَاوَى الصُّغْرَى، وَلَا بَأْسَ بِتِكَّةِ الْحَرِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) أَيْ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرَةِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَتَبِعَهُ الْقُدُورِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْكَرْخِيُّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِافْتِرَاشِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالنَّوْمِ عَلَيْهِمَا، وَكَرِهَ ذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، وَقَالَ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَفْعَلَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ. اهـ. غَايَةٌ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِي سُتَرِ الْحَرِيرِ، وَتَعْلِيقِهِ عَلَى الْأَبْوَابِ يَعْنِي لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيُكْرَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُمَا الْعُمُومَاتُ فِي تَحْرِيمِ الْحَرِيرِ، وَهِيَ تَشْمَلُ اللُّبْسَ وَالتَّوَسُّدَ جَمِيعًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَهُ أَبُو اللَّيْثِ) أَيْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. غَايَةٌ

(قَوْلُهُ: كَالْقَطَائِفِ مِنْ الْأُرْجُوَانِ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِيهِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ مِيْثَرَةِ الْأُرْجُوَانِ الْمِيثَرَةُ بِالْكَسْرِ مِفْعَلَةٌ مِنْ الْوَثَارَةِ يُقَالُ وَثُرَ وَثَارَةً فَهُوَ وَثِيرٌ أَيْ وَطِيءٌ لَيِّنٌ، وَأَصِلُهَا مِوْثَرَةٌ فَقُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِكِسْرَةِ الْمِيمِ، وَهِيَ مِنْ مَرَاكِبِ الْعَجَمِ تُعْمَلُ مِنْ حَرِيرٍ أَوْ دِيبَاجٍ وَالْأُرْجُوَانُ صِبْغٌ أَحْمَرُ وَيُتَّخَذُ كَالْفِرَاشِ الصَّغِيرِ، وَيُحْشَى بِقُطْنٍ أَوْ صُوفٍ يَجْعَلُهَا الرَّاكِبُ تَحْتَهُ عَلَى الرِّحَالِ فَوْقَ الْجِمَالِ، وَيَدْخُلُ مَيَاثِرُ السُّرُوجِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَشْمَلُ كُلَّ مِيْثَرَةٍ حَمْرَاءَ سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى رَحْلٍ أَوْ سَرْجٍ. اهـ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْوَاوِ مَعَ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ زِيُّ الْأَكَاسِرَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ؛ وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْمَلْبُوسِ حَلَالٌ، وَهُوَ الْعَلَمُ فَكَذَا الْقَلِيلُ مِنْ اللُّبْسِ، وَهُوَ التَّوَسُّدُ وَالِافْتِرَاشُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِعْمَالٍ كَامِلٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّوَسُّدَ وَالِافْتِرَاشَ وَالنَّوْمَ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالٌ، وَهُوَ مَعَ كُلٍّ امْتِهَانٌ فَقَصُرَ مَعْنَى الِاسْتِعْمَالِ وَالتَّزَيُّنِ بِهِ فَلَمْ يَتَعَدَّ حُكْمُ التَّحْرِيمِ مِنْ اللُّبْسِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِعْمَالُ الْكَامِلُ إلَيْهِ فَلَمْ يُحَرَّمْ بَلْ كَانَ ذَلِكَ تَقْلِيلًا لِلُّبْسِ وَنَمُوذَجًا، وَتَرْغِيبًا فِي نَعِيمِ الْآخِرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: مِرْفَقَةِ حَرِيرٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُرَادُ مِنْ الْمِرْفَقَةِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وِسَادَةُ الِاتِّكَاءِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>