للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: ٣١] الْحَرَائِرُ، وَلَمْ تَدْخُلْ الْإِمَاءُ فِيهَا فَبَيَّنَ حُكْمَهُنَّ كَمَا بَيَّنَ حُكْمَ الْحَرَائِرِ؛ لِأَنَّا لَا نَعْرِفُ الْحُكْمَ إلَّا مِنْ الشَّارِعِ، وَهُنَّ لَمْ يُذْكَرْنَ فِي هَذَا الْمَعْنَى إلَّا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَكَانَتْ بَيَانًا لِحُكْمِهِنَّ، وَكَذَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَحْرَمٌ لَهَا؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا مُؤَقَّتَةٌ فَصَارَتْ كَالْمُزَوَّجَةِ بِالْغَيْرِ أَوْ أُخْتِ زَوْجَتِهِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ مَعَهُ، وَلَوْ كَانَ مَحْرَمًا لَجَازَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيَعْزِلُ عَنْ أَمَتِهِ بِلَا إذْنِهَا، وَعَنْ زَوْجَتِهِ بِإِذْنِهَا)؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ الْعَزْلِ عَنْ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا، وَقَالَ لِمَوْلَى أَمَةٍ اعْزِلْ عَنْهَا إنْ شِئْت؛ وَلِأَنَّ الْحُرَّةَ لَهَا حَقٌّ فِي الْوَطْءِ حَتَّى كَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ قَضَاءً لِلشَّهْوَةِ، وَتَحْصِيلًا لِلْوَلَدِ وَلِهَذَا تُخَيَّرُ فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ، وَلَا حَقَّ لِلْأَمَةِ فِي الْوَطْءِ وَالْعَزْلُ يُخِلُّ بِمَا ذَكَرْنَا، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ فَلَا يَمْلِكُ تَنْقِيصَ حَقِّ الْحُرَّةِ بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَيَنْفَرِدُ بِهِ فِي حَقِّ الْأَمَةِ، وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةُ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ الْعَزْلُ إلَّا بِإِذْنِهَا؛ لِأَنَّهُ تَكْمِيلٌ لِحَقِّهَا وَالْوَطْءُ حَقُّ الزَّوْجَةِ وَلِهَذَا كَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِذْنُ إلَى مَوْلَاهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي النِّكَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِهِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَنْ مَلَكَ أَمَةً حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا، وَلَمْسُهَا وَالنَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «أَلَا لَا تُوطَأُ الْحُبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ، وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ» هَذَا يُفِيدُ وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ بِسَبَبِ اسْتِحْدَاثِ الْمِلْكِ وَالْيَدِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْجُودُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ التَّعَرُّفُ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ صِيَانَةً لِلْمِيَاهِ الْمُحْتَرَمَةِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ وَالْأَنْسَابِ عَنْ الِاشْتِبَاهِ وَالْوَلَدِ عَنْ الْهَلَاكِ، وَذَلِكَ عِنْدَ تَحَقُّقِ الشَّغْلِ أَوْ تَوَهُّمِهِ بِمَاءٍ مُحْتَرَمٍ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ لَا يُدَّعَى الْوَلَدُ فَيَهْلِكُ مَعْنًى إذْ مَنْ لَا نَسَبَ لَهُ هَالِكٌ مَعْنًى أَوْ لِعَدَمِ مَنْ يُرَبِّيهِ، وَيُثَقِّفُهُ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ إرَادَةُ الْوَطْءِ وَالْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي يُرِيدُهُ دُونَ الْبَائِعِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ الْإِرَادَةَ أَمْرٌ مَبْطَنٌ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى دَلِيلِهَا، وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْوَطْءِ وَالتَّمَكُّنُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْمِلْكِ وَالْيَدِ فَانْتَصَبَ سَبَبًا وَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ تَيْسِيرًا فَكَانَ السَّبَبُ اسْتِحْدَاثُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ الْمُؤَكَّدِ بِالْيَدِ، وَتَعَدَّى الْحُكْمُ إلَى سَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى يَجِبَ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ، وَمِنْ الْمَرْأَةِ وَالْمَمْلُوكِ، وَمِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا الِاسْتِبْرَاءُ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمُشْتَرَاةُ بِكْرًا لَمْ تُوطَأْ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ، وَإِدَارَةِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأَسْبَابِ دُونَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ، وَهِيَ فَرَاغُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةُ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ مَنْكُوحَةً فَالْإِذْنُ إلَى الْمَوْلَى فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا جَمِيعًا بِلَا خِلَافٍ مِنْهُمْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَفِي كِتَابِ الْآثَارِ أَيْضًا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِذْنَ فِي الْعَزْلِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ حَقُّهَا لَا حَقُّ مَوْلَاهَا. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْوَلَدَ حَقُّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ فَكَانَ الْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ إلَيْهِ كَالْحُرَّةِ. اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ يَعْزِلُ عَنْ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا خَوْفًا مِنْ الْوَلَدِ السُّوءِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي آخِرِ الْكَرَاهِيَةِ. اهـ.

[فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِهِ]

(قَوْلُهُ: فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِهِ)، وَهُوَ طَلَبُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ عَنْ الْحَمْلِ، وَهُوَ نَوْعَانِ مُسْتَحَبٌّ، وَهُوَ أَنَّ الْبَائِعَ يَسْتَبْرِئُهَا إذَا أَرَادَ بَيْعَهَا وَوَاجِبٌ، وَهُوَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَعِنْدَ مَالِكٍ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْبَائِعِ صِيَانَةً لِمَائِهِ إذْ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا عَلَقَتْ مِنْهُ، وَلَنَا أَنَّهَا مِلْكُ الْبَائِعِ وَحَقُّهُ قَائِمٌ فِي الْوَطْءِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ، وَمَا قَالَهُ مِنْ الصِّيَانَةِ يَحْصُلُ بِاسْتِبْرَاءِ الْمُشْتَرِي. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَوْطَاسٍ) مَوْضِعٌ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: يُسْتَبْرَأْنَ) بِالْهَمْزِ لَا غَيْرُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا عَلَى الْبَائِعِ)، وَقَالَ النَّخَعِيّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الصِّيَانَةَ كَمَا تَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي تَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ، وَقَالَ الْبَتِّيُّ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ دُونَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لِصِيَانَةِ مَاءِ الْبَائِعِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ. اهـ كَيْ (قَوْلُهُ: كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ) أَيْ وَالصَّدَقَةِ وَالْقِسْمَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ. اهـ. خَانْ

(قَوْلُهُ: وَالْكِتَابَةِ) أَيْ بِأَنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى جَارِيَةٍ لَا يَحِلُّ لِلْمَوْلَى وَطْءُ الْجَارِيَةِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَغَيْرُ ذَلِكَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ كَمَا إذَا تَصَدَّقَ عَلَى الْفَقِيرِ بِجَارِيَةٍ يَجِبُ اسْتِبْرَاءُ الْفَقِيرِ، وَكَذَا إذَا آجَرَ دَارِهِ إلَى سَنَةٍ عَلَى جَارِيَةٍ لَا يَحِلُّ وَطْءُ الْمُؤَجِّرِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ. اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ كَالدَّفْعِ بِالْجِنَايَةِ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَجِبَ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ) أَيْ بِأَنْ بَاعَهَا أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ. اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمَمْلُوكُ) أَيْ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ إذَا اشْتَرَى الْجَارِيَةَ مِنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ اسْتِحْسَانًا بَيَانُهُ فِيمَا قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ غَيْرُ مُسْتَغْرِقٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا؛ لِأَنَّ مِلْكَ عَبْدِهِ لَهُ، وَلَهُ أَنْ يُجْزِئَ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْ عِنْدَ الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ رَقَبَتَهُ، وَمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْكَسْبِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِهِمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَبْدَ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَالْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ، وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ مُكَاتَبِهِ فَعَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَكَاسِبَ مُكَاتَبِهِ، وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَمِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا) أَيْ كَأُخْتِ الْبَائِعِ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ جَارِيَةٍ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ، وَأَبُوهُ اسْتَمْتَعَ بِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لَمْ تُوطَأْ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ) أَيْ، وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ مِلْكِ الْيَمِينِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ لَا اسْتِبْرَاءَ فِي الْبِكْرِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَإِدَارَةُ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأَسْبَابِ دُونَ الْحِكَمِ) هِيَ بِكَسْرِ الْحَاءِ جَمْعُ حِكْمَةٍ يَعْنِي أَنَّ الْعِلَّةَ فِي وُجُوبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>