للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَبَقَاءُ الثُّلُثِ مَاءً وَعَصِيرًا، وَلَوْ طُبِخَ الْعَصِيرُ فَذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثَيْنِ ثُمَّ أُهْرِيقَ بَعْضُهُ لَا يَحِلُّ الْبَاقِي حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ بِالطَّبْخِ، وَطُرُقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ تَأْخُذَ ثُلُثَ الْجَمِيعِ فَتَضْرِبَهُ فِي الْبَاقِي بَعْدَ الْأَنْصَاب ثُمَّ تَقْسِمَ الْخَارِجَ مِنْ الضَّرْبِ عَلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَهَابِ مَا ذَهَبَ بِالطَّبْخِ قَبْلَ أَنْ يَنْصَبَّ مِنْهُ شَيْءٌ فَمَا أَصَابَ الْوَاحِدَ بِالْقِسْمَةِ فَذَلِكَ الْقَدْرُ هُوَ الْحَلَالُ فَيُطْبَخُ الْبَاقِي إلَى أَنْ يَبْقَى قَدْرُهُ فَيَحِلُّ، مِثَالُهُ اثْنَا عَشَرَ رِطْلًا مِنْ الْعَصِيرِ طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ أَرْبَعَةُ أَرْطَالٍ ثُمَّ أُهْرِيقَ رِطْلَانِ يَأْخُذُ ثُلُثَ الْعَصِيرِ كُلَّهُ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ فَيَضْرِبُهُ فِيمَا بَقِيَ بَعْدَ الِانْصِبَابِ، وَهُوَ سِتَّةٌ فَيَصِيرُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فَيَقْسِمُهُ عَلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَهَابِ مَا ذَهَبَ مِنْهُ بِالطَّبْخِ قَبْلَ أَنْ يُهْرَاقَ مِنْهُ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ فَيُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْقَدْرُ هُوَ الْحَلَالُ فَيُطْبَخُ الْبَاقِي إلَى أَنْ يَبْقَى قَدْرُهُ فَيَحِلُّ، وَإِنْ شِئْت قَسَمْت مَا ذَهَبَ بِالطَّبْخِ عَلَى الْمُنْصَبِّ وَعَلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ الِانْصِبَابِ فَمَا أَصَابَ الْمُنْصَبُّ يُجْعَلُ مَعَ الْمُنْصَبِّ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَكَأَنَّ جَمِيعَ الْعَصِيرِ هُوَ الْبَاقِي وَمَا أَصَابَهُ مِنْ الذَّاهِبِ بِالطَّبْخِ وَقَدْ ذَهَبَ مِنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ فَيُطْبَخُ حَتَّى يَذْهَبَ إلَى تَمَامِ الثُّلُثَيْنِ، وَإِنْ شِئْت قُلْت إنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الطَّبْخِ قَبْلَ الِانْصِبَابِ بَعْضُهُ حَلَالٌ، وَهُوَ قَدْرُ ثُلُثِ الْجَمِيعِ فَإِذَا أُهْرِيقَ بَعْضُهُ أُهْرِيقَ مِنْ الْحَلَالِ بِحِسَابِهِ فَيُطْبَخُ الْبَاقِي حَتَّى يَبْقَى قَدْرُ مَا فِيهِ مِنْ الْحَلَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

{كِتَابُ الصَّيْدِ} قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ الِاصْطِيَادُ) أَيْ الصَّيْدُ هُوَ الِاصْطِيَادُ فِي اللُّغَةِ يُقَالُ صَادَ يَصِيدُ صَيْدًا وَسُمِّيَ بِهِ الْمَصِيدُ تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ فَصَارَ اسْمًا لِكُلِّ حَيَوَانٍ مُتَوَحِّشٍ مُمْتَنِعٍ عَنْ الْآدَمِيِّ مَأْكُولًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ وَالِاصْطِيَادُ مُبَاحٌ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ وَكَذَا الْمَصِيدُ إنْ كَانَ مَأْكُولًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: ٢] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: ٩٦] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْك فَأَدْرَكْته حَيًّا فَاذْبَحْهُ، وَإِنْ أَدْرَكْته قَدْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ؛ وَلِأَنَّهُ نَوْعُ اكْتِسَابٍ وَانْتِفَاعٍ بِمَا هُوَ مَخْلُوقٌ لِذَلِكَ فَكَانَ مُبَاحًا كَالِاحْتِطَابِ لِيَتَمَكَّنَ الْمُكَلَّفُ مِنْ إقَامَةِ التَّكَالِيفِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَحِلُّ بِالْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَالْفَهْدِ وَالْبَازِي وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ) أَيْ يَحِلُّ الِاصْطِيَادُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْجَوَارِحِ كَالشَّاهِينَ وَالْبَاشِقِ وَالْعُقَابِ وَالصَّقْرِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكُلُّ شَيْءٍ عَلَّمْته مِنْ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ فَلَا بَأْسَ بِصَيْدِهِ وَلَا خَيْرَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ تُدْرِكَ ذَكَاتَهُ فَتُذَكِّيهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: ٤] أَيْ صَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الطَّيِّبَاتِ وَالْجَوَارِحُ الْكَوَاسِبُ وَالْجَرْحُ الْكَسْبُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [الأنعام: ٦٠] أَيْ كَسَبْتُمْ، وَقِيلَ هِيَ أَنْ تَكُونَ جَارِحَةً بِنَابِهَا وَمِخْلَبِهَا حَقِيقَةً وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ فَتُشْتَرَطُ الْجِرَاحَةُ حَقِيقَةً عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِ الْجُرْحِ مِنْ الْكَوَاسِبِ عَمَلًا بِالْمُتَيَقَّنِ بِهِ، وَالْمُكَلَّبُ الْمُعَلَّمُ مِنْ الْكِلَابِ وَمُؤَدِّبُهَا ثُمَّ عَمَّ فِي كُلِّ مَا أُدِّبَ جَارِحَةً بَهِيمَةً كَانَتْ أَوْ طَائِرًا وَمَعْنَى قَوْلِهِ مُكَلِّبِينَ مُعَلَّمِينَ الِاصْطِيَادَ تُعَلِّمُونَهُنَّ تُؤَدِّبُوهُنَّ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا عُلِّمَ مِنْ الْجَوَارِحِ دَلَّ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّ اسْمَ الْكَلْبِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ سَبُعٍ حَتَّى الْأَسَدِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْأَسَدَ وَالدُّبَّ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْمَلَانِ لِغَيْرِهِمَا الْأَسَدُ لِعُلُوِّ هِمَّتِهِ وَالدُّبُّ لِخَسَاسَتِهِ كَذَا ذَكَرَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَبَقَاءُ الثُّلُثِ مَاءً وَعَصِيرًا)؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ ثُلُثَاهُ مَاءٌ وَثُلُثُهُ عَصِيرٌ وَقَدْ رَدَّ الْعَصِيرَ إلَى الثُّلُثِ فَحَلَّ. اهـ. (قَوْلُهُ قَبْلَ الِانْصِبَابِ)، وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ قَدْرُ ثُلُثِ الْجَمِيعِ) أَيْ أَرْبَعَةُ أَرْطَالٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِذَا أُهْرِيقَ بَعْضُهُ) أَيْ بَعْضُ الْبَاقِي، وَهُوَ رُبْعُهُ رِطْلَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ أُهْرِيقَ مِنْ الْحَلَالِ بِحِسَابِهِ) أَيْ، وَهُوَ رُبْعُهُ وَاحِدٌ اهـ (قَوْلُهُ حَتَّى يَبْقَى قَدْرُ مَا فِيهِ مِنْ الْحَلَالِ) أَيْ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْطَالٍ اهـ.

[كِتَابُ الصَّيْدِ]

{كِتَابُ الصَّيْدِ} ثُمَّ الِاصْطِيَادُ لَا يَقَعُ إلَّا بِآلَةٍ وَالْآلَةُ تَنْقَسِمُ عَلَى قِسْمَيْنِ حَيَوَانٌ وَجَمَادٌ فَالْجَمَادُ مِثْلُ السَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَالشَّبَكَةِ وَالْمِعْرَاضِ وَالنُّشَّابِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَالْحَيَوَانُ مِثْلُ الْبَازِي وَالصَّقْرِ وَالْفَهْدِ وَالْكَلْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ مَأْكُولًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ) وَالِاصْطِيَادُ مُبَاحٌ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا لَا يَحِلُّ فَمَا حَلَّ أَكْلُهُ فَصَيْدُهُ لِلْأَكْلِ وَمَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ فَصَيْدُهُ لِغَرَضٍ آخَرَ إمَّا الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ أَوْ شَعْرِهِ أَوْ لِدَفْعِ أَذِيَّتِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِيَتَمَكَّنَ الْمُكَلَّفُ مِنْ إقَامَةِ التَّكَالِيفِ) أَيْ مِنْ إقَامَةِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ اهـ.

[الِاصْطِيَاد بِالْكَلْبِ الْمُعَلَّم وَالْفَهْد وَالْبَازِي]

(قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اسْتَثْنَى إلَخْ) قَالَ الْكَرْخِيُّ: فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّيْدِ مِنْ مُخْتَصَرِهِ قَالَ هِشَامٌ سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ صَيْدِ ابْنِ الْعِرْسِ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ إذَا عُلِّمَ فَتَعَلَّمَ فَكُلْ مَا صَادَ قَالَ مُحَمَّدٌ: مَا كَانَ لَهُ مِخْلَبٌ أَوْ نَابٌ فَصَيْدُهُ يُؤْكَلُ يَعْنِي إذَا عُلِّمَ قَالَ هِشَامٌ: سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ الذِّئْبِ إذَا عُلِّمَ فَصَادَ فَقَالَ هَذَا أَرَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ فَإِنْ كَانَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ قَالُوا فِي الْأَسَدِ وَالذِّئْبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصَّيْدُ بِهِمَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِمَعْنًى يَعُودُ إلَى عَيْنِهِمَا إنَّمَا هُوَ لِفَقْدِ التَّعْلِيمِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ مِنْ عَادَتِهِمَا أَنْ يَمْسِكَا صَيْدَهُمَا وَلَا يَأْكُلَاهُ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى التَّعْلِيمِ بِتَرْكِ الْأَكْلِ فَإِنْ تُصُوِّرَ التَّعْلِيمُ فِيهِمَا جَازَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>