للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قِيَامِهِ فَتَكُونُ الْجِهَةُ بَاقِيَةً بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ وَقَالَ فِي الْكَافِي: ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَبْسُوطِ إذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ بَقِيَ ضَمَانُ الرَّهْنِ إذَا كَانَ تَصَادُقُهُمَا بَعْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ وَاجِبًا ظَاهِرًا حِينَ هَلَكَ الرَّهْنُ.

وَوُجُوبُ الدَّيْنِ ظَاهِرًا يَكْفِي لِضَمَانِ الرَّهْنِ فَصُيِّرَ مُسْتَوْفِيًا، وَأَمَّا إذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ وَالرَّهْنُ قَائِمٌ ثُمَّ هَلَكَ يَهْلِكُ أَمَانَةً؛ لِأَنَّهُ بِتَصَادُقِهِمَا يَنْتَفِي الدَّيْنُ مِنْ الْأَصْلِ وَضَمَانُ الرَّهْنِ لَا يَبْقَى بِدُونِ الدَّيْنِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُمَا إذَا تَصَادَقَا قَبْلَ الْهَلَاكِ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِيهِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَهْلِكُ مَضْمُونًا رَجُلٌ دَفَعَ مَهْرَ غَيْرِهِ تَطَوُّعًا فَطَلُقَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الْوَطْءِ رَجَعَ الْمُتَطَوِّعُ بِنِصْفِ مَا أَدَّى، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَتَطَوَّعَ رَجُلٌ بِأَدَاءِ ثَمَنِهِ ثُمَّ رَدَّ الْعَبْدَ بِعَيْبٍ رَجَعَ الْمُتَطَوِّعُ بِمَا أَدَّى وَقَالَ زُفَرُ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَرْجِعُ الزَّوْجُ وَالْمُشْتَرِي بِذَلِكَ عَلَى الْقَابِضِ؛ لِأَنَّ الْمُتَطَوِّعَ أَدَّى عَنْهُمَا، فَصَارَ كَأَدَائِهِمَا بِإِذْنِهِمَا قُلْنَا إنَّهُ إذَا قَضَى عَنْهُمَا بِأَمْرِهِمَا رَجَعَ عَلَيْهِمَا بِمَا أَدَّى فَمَلَكَاهُ بِالضَّمَانِ وَهُنَا لَمْ يَمْلِكَاهُ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِ الْمُتَطَوِّعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

(كِتَابُ الْجِنَايَاتِ)، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يَجْنِيهِ الْمَرْءُ مِنْ شَرٍّ اكْتَسَبَهُ تَسْمِيَةً لِلْمَصْدَرِ مِنْ جَنَى عَلَيْهِ شَرًّا، وَهُوَ عَامٌّ إلَّا أَنَّهُ خُصَّ بِمَا يَحْرُمُ مِنْ الْفِعْلِ وَأَصْلُهُ مِنْ جَنْيِ الثَّمَرِ، وَهُوَ أَخْذُهُ مِنْ الشَّجَرِ، وَهِيَ فِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي مَالٍ أَوْ نَفْسٍ لَكِنْ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ يُرَادُ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْجِنَايَةِ الْفِعْلُ فِي النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ، ثُمَّ الْقَتْلُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ عَمْدٍ وَشِبْهِ عَمْدٍ وَخَطَأٍ وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ وَالْقَتْلِ بِسَبَبٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ بَيَانُ قَتْلٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ وَحِرْمَانِ الْإِرْثِ وَالْإِثْمِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا تَقْسِيمُ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ عَمْدٍ وَشِبْهِ عَمْدٍ.

وَخَطَأٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مُوجَبُ الْقَتْلِ عَمْدًا، وَهُوَ مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِسِلَاحٍ وَنَحْوِهِ فِي تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ كَالْمُحَدَّدِ مِنْ الْحَجَرِ وَالْخَشَبِ وَاللِّيطَةِ وَالنَّارِ الْإِثْمُ وَالْقَوَدُ عَيْنًا) أَيْ الْقَتْلُ الْمَوْصُوفُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يُوجِبُ الْإِثْمَ وَالْقِصَاصَ مُتَعَيِّنًا أَمَّا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ كِتَابُ الْجِنَايَاتِ]

(كِتَابُ الْجِنَايَات) مُنَاسَبَةُ الْجِنَايَاتِ بِالرَّهْنِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ هُوَ صِيَانَةُ الدَّيْنِ عَنْ التَّوَى وَالتَّلَفِ بِوَثِيقَةِ الرَّهْنِ فَكَذَا حُكْمُ الْجِنَايَةِ صِيَانَةُ النَّفْسِ عَنْ هَلَاكِهَا أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: ١٧٩] وَلَكِنْ قَدَّمَ الرَّهْنَ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ، فَإِنَّهَا مَحْظُورَةٌ؛ وَلِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَمَّا لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ فِعْلُهُ وَكُلُّ مَا لَيْسَ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِهِ بَيَانُ قَتْلٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ إلَخْ) أَيْ الْمُرَادُ الْقَتْلُ الَّذِي هُوَ جِنَايَةٌ، وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ، فَإِنَّ الْقَتْلَ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةٍ كَقَتْلِ الْمُرْتَدِّ وَالْقَتْلِ رَجْمًا وَالْقَتْلِ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ وَقَتْلِ الْحَرْبِيِّ وَالْقَتْلِ قِصَاصًا ثُمَّ الْقَتْلُ عِبَارَةٌ عَنْ إزْهَاقِ الرُّوحِ بِفِعْلِ شَخْصٍ، وَإِنْ كَانَ انْزِهَاقُ الرُّوحِ بِلَا فِعْلٍ مَخْلُوقٍ يُسَمَّى ذَلِكَ مَوْتًا. اهـ. (قَوْلُهُ هَذَا تَقْسِيمُ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ) وَتَبِعَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي تَقْسِيمِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ هَذِهِ الْعِبَارَةَ اهـ.

(قَوْلُهُ عَمْدٍ وَشِبْهِ عَمْدٍ وَخَطَأٍ) وَصَاحِبُ النَّافِعِ قَالَ الْقَتْلُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ عَمْدٍ وَشِبْهٍ عَمْدٍ وَخَطَأٍ وَالْقَتْلِ بِالتَّسْبِيبِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْخَطَأِ فَلَمْ يُفْرِدْ لَهُ نَوْعًا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ اهـ قُلْت وَلَعَلَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ النَّوْعَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ وَهُمَا الْقَتْلُ بِسَبَبٍ وَمَا جَرَى مَجْرَى الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ بَيَانُ أَحْكَامِ الْقَتْلِ الَّذِي فِيهِ مُبَاشَرَةٌ وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ لَيْسَ فِيهِ مُبَاشَرَةٌ، وَأَمَّا مَا جَرَى مَجْرَى الْخَطَأِ، فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُبَاشَرَةٌ لَكِنْ لَمَّا كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْخَطَأِ لَمْ يَذْكُرْهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ كَالْمُحَدَّدِ مِنْ الْحَجَرِ وَالْخَشَبِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَالْعَمْدُ مَا تَعَمَّدَ قَتْلَهُ بِالْحَدِيدِ كَالسِّكِّينِ وَالسَّيْفِ أَوْ مَا كَانَ كَالْحَدِيدِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حِدَةٌ يَبْضَعُ بَضْعًا أَوْ لَيْسَ لَهُ حِدَةٌ وَلَكِنْ يَرُضُّ رَضًّا كَالْعَمُودِ وَسَنْجَاةِ الْمِيزَانِ وَغَيْرِهِمَا أَوْ طَعْنٌ بِالرُّمْحِ أَوْ الْإِبْرَةِ أَوْ الْأَشْفَى بَعْدَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَدِيدِ سَوَاءٌ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ أَوْ لَمْ يَكُنْ.

لِأَنَّ الْحَدِيدَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» وَفِي رِوَايَةٍ «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسِّلَاحِ» وَفِي رِوَايَةٍ «لَا قَوَدَ إلَّا بِالْحَدِيدِ» وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَعْنَى، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْحَدِيدِ مِثْلَ الصُّفْرِ وَالرَّصَاصِ وَالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالنُّحَاسِ وَالْآنُكِ سَوَاءٌ قَتَلَهُ بَضْعًا أَوْ رَضًّا وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْحَدِيدِ إنْ عَمِلَ عَمَلَ الْحَدِيدِ فَهُوَ عَمْدٌ وَإِلَّا فَلَا كَمَا إذَا أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ فَهُوَ عَمْدٌ؛ لِأَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَهُ؛ لِأَنَّهَا تَشُقُّ الْجِلْدَ وَكَذَلِكَ مَا لَهُ حَدٌّ يَعْمَلُ عَمَلَ السَّيْفِ كَالزُّجَاجِ وَلِيطَةِ الْقَصَبِ وَحَجَرٍ لَهُ حَدٌّ مِمَّا يَبْضَعُ بَضْعًا أَوْ يَطْعَنُ كَخَشَبٍ لَهُ حَدٌّ يَجْرَحُ فَهَذَا يَعْمَلُ عَمَلَ الْحَدِيدِ فَهُوَ عَمْدٌ إلَى هُنَا شَرْحُ الطَّحَاوِيِّ وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي الْحَدِيدِ وَمَا يُشْبِهُ الْحَدِيدَ كَالنُّحَاسِ وَغَيْرِهِ لَا يُشْتَرَطُ الْجُرْحُ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ وَقَالَ فِي الْأَجْنَاسِ: ذَكَرَ فِي الشُّرُوطِ الْكَبِيرِ لِأَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي الْعَمُودِ مِنْ الْحَدِيدِ لِأَنَّهُ لَا يَجْرَحُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ شَيْخُ شَيْخِنَا قَاسِمٌ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الْمَجْمَعِ: فَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْعِبْرَةُ لِلْحَدِيدِ نَفْسِهِ سَوَاءٌ جَرَحَ أَوْ لَا وَعَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ الْعِبْرَةُ لِلْجُرْحِ نَفْسِهِ حَدِيدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ.

قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ اهـ وَظَاهِرُ صَنِيعِ الزَّيْلَعِيِّ اخْتِيَارُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَجُلٌ ضَرَبَ رَجُلًا بِإِبْرَةٍ وَمَا أَشْبَهَهُ فَمَاتَ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>