للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا الْكَفَّارَةُ) أَيْ مُوجَبُ الْقَتْلِ بِسَبَبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا الْكَفَّارَةِ أَمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ بِهِ فَلِأَنَّهُ سَبَبُ التَّلَفِ، وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِالْحَفْرِ فَجُعِلَ كَالدَّافِعِ لِلْمُلْقَى فِيهِ فَتَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ صِيَانَةً لِلْأَنْفُسِ فَتَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِهَذَا الطَّرِيقِ دُونَ الْقَتْلِ بِالْخَطَأِ فَيَكُونُ مَعْذُورًا فَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ تَخْفِيفًا عَنْهُ كَمَا فِي الْخَطَأِ بَلْ أَوْلَى لِعَدَمِ الْقَتْلِ مِنْهُ مُبَاشَرَةً؛ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِيهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْكُلُّ يُوجِبُ حِرْمَانَ الْإِرْثِ إلَّا هَذَا) أَيْ كُلُّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ عَمْدٍ وَشِبْهِ عَمْدٍ أَوْ خَطَأٍ يُوجِبُ حِرْمَانَ الْإِرْثِ إلَّا الْقَتْلَ بِسَبَبٍ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ كَمَا لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ مُلْحَقٌ بِالْخَطَأِ فِي أَحْكَامِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشِبْهُ الْعَمْدِ فِي النَّفْسِ عَمْدٌ فِيمَا سِوَاهَا)؛ لِأَنَّ إتْلَافَ مَا دُونَ النَّفْسِ لَا يَخْتَصُّ بِآلَةٍ دُونَ آلَةٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ شِبْهُ الْعَمْدِ بِخِلَافِ النَّفْسِ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ عَمَّتَهُ الرُّبَيِّعُ لَطَمَتْ جَارِيَةً فَكَسَرَتْ ثَنِيَّتَهَا فَطَلَبُوا إلَيْهِمْ الْعَفْوَ فَأَبَوْا وَالْأَرْشَ فَأَبَوْا إلَّا الْقِصَاصَ فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقِصَاصِ فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ قَالَ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ نَبِيًّا لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ فَرَضِيَ الْقَوْمُ فَعَفَوْا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَنَّا عَلِمْنَا أَنَّ اللَّطْمَةَ لَوْ أَتَتْ عَلَى النَّفْسِ لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ وَرَأَيْنَاهَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ قَدْ أَوْجَبَتْهُ بِحُكْمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ مَا كَانَ فِي النَّفْسِ شِبْهَ عَمْدٍ هُوَ عَمْدٌ فِيمَا دُونَهَا وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شِبْهُ عَمْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(بَابُ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِ كُلِّ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ عَمْدًا) لِمَا بَيَّنَّا وَشَرْطٌ أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مَحْقُونَ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ لِتَنْتَفِي شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ نِهَايَةٌ فِي الْعُقُوبَةِ فَيَسْتَدْعِي الْكَمَالَ فِي الْجِنَايَةِ، فَلَا يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ الْمُسْتَأْمِنِ؛ لِأَنَّ دَمَهُ غَيْرُ مَحْقُونٍ عَلَى التَّأْبِيدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَبِالْعَبْدِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: ١٧٨] فَهَذَا يَقْتَضِي مُقَابَلَةَ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ وَمِنْ ضَرُورَةِ الْمُقَابَلَةِ أَنْ لَا يُقْتَلَ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا إذْ الْحُرُّ مَالِكٌ وَالْعَبْدُ مَمْلُوكٌ وَالْمَالِكِيَّةُ أَمَارَةُ الْقُدْرَةِ وَالْمَمْلُوكِيَّةُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ لَطَمْتُ جَارِيَةً) أَيْ مِنْ الْأَنْصَارِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ) أَيْ عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ اهـ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ فِي أَوَّلِ بَابِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ. اهـ.

[بَابُ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ]

(بَابُ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ) لَمَّا ذَكَرَ أَنْوَاعَ الْقَتْلِ: وَهِيَ خَمْسَةٌ وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْعَمْدُ وَقَدْ يُوجِبُ الْعَمْدُ الْقِصَاصَ وَقَدْ لَا يُوجِبُهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِ كُلِّ مَحْقُونِ الدَّمِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَصْلُ فِي ثُبُوتِ الْقِصَاصِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: ٣٣] السُّلْطَانُ الْقَتْلُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: ٣٣] وَقَالَ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: ١٧٨] وَقَالَ تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: ١٧٩] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» وَلَا يُقَالُ يَرِدُ قَتْلُ الْأَبِ ابْنَهُ عَمْدًا إشْكَالًا عَلَى الْكُلِّيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مُوجَبُ ذَلِكَ الْقِصَاصُ أَيْضًا وَلَكِنْ سَقَطَ لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ، وَذَلِكَ عَارِضٌ وَالْكَلَامُ فِي الْأُصُولِ لَا فِي الْعَوَارِضِ؛ وَلِهَذَا كَانَ الِابْنُ شَهِيدًا، وَإِنْ كَانَ تَجِبُ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُ انْقَلَبَ مَالًا لِلشُّبْهَةِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ كَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ مَحْقُونِ الدَّم حَقْنُ الدَّمِ مَنْعُهُ مِنْ أَنْ يُسْفَكَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَبِالْعَبْدِ) قَالَ قَاضِيخَانْ: عَبْدٌ قُتِلَ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَيَكُونُ الِاسْتِيفَاءُ إلَى الْمَوْلَى وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَوَلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ لَهُمْ جَمِيعًا لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمْ بِهِ فَإِنْ عَفَا أَحَدُهُمْ يَنْقَلِبُ حَقُّ الْبَاقِينَ مَالًا إلَى الْقِيمَةِ كَمَا يَنْقَلِبُ فِي الْحُرِّ إلَى الدِّيَةِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى قَتْلِ الذَّكَرِ بِالْأُنْثَى وَالْأُنْثَى بِالذَّكَرِ وَعَلَى قَتْلِ الْعَبْدِ بِالْحُرِّ وَذَلِكَ عِنْدَنَا بِقَوْلِهِ وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَاخْتَلَفُوا فِي قَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ وَأَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى قَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: ٣٣] وَالسُّلْطَانُ الْقَوَدُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ اهـ أَتْقَانِيٌّ.

فَرْعٌ قَالَ فِي الْمَنَارِ وَالْقِصَاصُ لَا يُضْمَنُ بِقَتْلِ الْقَاتِلِ قَالَ ابْنُ فِرِشْتَا يَعْنِي مَنْ قَتَلَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَا يَضْمَنُ لِمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ عِنْدَنَا وَيَضْمَنُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ اهـ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُغْنِي لِلسِّرَاجِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِأَنَّ قَاتِلَ الْقَاتِلِ لَا يَضْمَنُ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ لِوَلِيِّ الْقَاتِلِ الدِّيَةَ إنْ خَطَأً وَيُقْتَصُّ مِنْهُ إنْ كَانَ عَمْدًا كَذَا فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الْعِصْمَةِ)؛ لِأَنَّ لِلْعَبْدِ نَفْسًا مَعْصُومَةً عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>