للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«لَيْسَ بِكَذَّابٍ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَقَالَ خَيْرًا أَوْ نَمَا خَيْرًا» فَهَذَا مِثْلُهُ أَوْ أَحَقُّ مِنْهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ فَلَا يَثْبُتُ جَهْلُهُمَا أَوْ اخْتِلَافُهُمَا بِالشَّكِّ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ دُونَ الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْكَامِلِ فَلَا يَثْبُتُ الْخَطَأُ بِالشَّكِّ

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ قَتَلَهُ، وَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلْتُمَاهُ جَمِيعًا لَهُ قَتْلُهُمَا، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْإِقْرَارِ شَهَادَةٌ لَغَتْ) أَيْ إذَا أَقَرَّ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا فَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلْتُمَاهُ جَمِيعًا فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَهُمَا وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا وَشَهِدَ آخَرَانِ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَهُ، وَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلْتُمَاهُ جَمِيعًا بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْإِقْرَارِ شَهَادَةٌ لَغَتْ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ يُنْبِئُ أَنَّ كُلَّ الْقَتْلِ وُجِدَ مِنْ الْمُقِرِّ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَنَا قَتَلْته انْفَرَدْت بِقَتْلِهِ، وَكَذَا قَوْلُ الشُّهُودِ قَتَلَهُ فُلَانٌ يُوجِبُ انْفِرَادَهُ بِالْقَتْلِ وَقَوْلُ الْوَلِيِّ قَتَلْتُمَاهُ جَمِيعًا تَكْذِيبٌ لِبَعْضِهِ حَيْثُ ادَّعَى اشْتِرَاكَهُمَا فِي الْقَتْلِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَمْ يَنْفَرِدْ بِقَتْلِهِ، بَلْ شَارَكَهُ آخَرُ، وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ التَّكْذِيبِ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِادِّعَائِهِ فِسْقَهُمْ بِهِ دُونَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ فِسْقَ الْمُقِرِّ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ، وَلَوْ قَالَ فِي الْإِقْرَارِ صَدَقْتُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَكْذِيبٌ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي الِانْفِرَادَ بِالْقَتْلِ فَتَصْدِيقُهُ يُوجِبُ ذَلِكَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَتَلْته وَحْدَك وَلَمْ يُشَارِكْ فِيهِ أَحَدٌ كَمَا تَقُولُ، فَيَكُونُ مُقِرًّا بِأَنَّ الْآخَرَ لَمْ يَقْتُلْهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ قَتَلْتُمَاهُ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْقَتْلِ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ لَهُمَا فَيَقْتُلُهُمَا بِإِقْرَارِهِمَا، وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَهُ، وَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلَهُ كِلَاهُمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ الْمُقِرَّ دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَكْذِيبًا لِبَعْضِ مُوجِبِهِ عَلَى مَا مَرَّ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِأَحَدِ الْمُقِرِّينَ صَدَقْت أَنْتَ قَتَلْته وَحْدَك كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى وُجُوبِ الْقَتْلِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَحَدِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا أَنْتَ قَتَلْته كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ لِعَدَمِ تَكْذِيبِ شُهُودِهِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا كَذَّبَ الْآخَرَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْخَطَأِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[بَابٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ]

(بَابٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْمُعْتَبَرُ حَالَةُ الرَّمْيِ)؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ فِعْلُ الرَّامِي وَلَا فِعْلَ لَهُ بَعْدَهُ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ حَالَةٍ فِي حَقِّ الْحَلِّ وَالضَّمَانِ عِنْدَ ذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَتَجِبُ الدِّيَةُ بِرَدِّهِ الْمَرْمِيَّ إلَيْهِ قَبْلَ الْوُصُولِ) أَيْ إذَا رَمَى رَجُلٌ رَجُلًا مُسْلِمًا فَارْتَدَّ الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ قَبْلَ وُصُولِ السَّهْمِ إلَيْهِ، ثُمَّ وَقَعَ السَّهْمُ بِهِ يَجِبُ عَلَى الرَّامِي الدِّيَةُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي مَحَلٍّ لَا عِصْمَةَ لَهُ وَإِتْلَافُ غَيْرِ الْمَعْصُومِ هَدَرٌ، وَهَذَا لِأَنَّهُ بِارْتِدَادِهِ أَسْقَطَ تَقَوُّمَ نَفْسِهِ، فَيَكُونُ مُبَرِّئًا لِلرَّامِي عَنْ مُوجِبِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ إخْرَاجَ نَفْيِهِ عَنْ التَّقْوِيمِ كَالْإِبْرَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ بُرِّئَ الْغَاصِبُ مِنْ الضَّمَانِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِفِعْلِهِ وَهُوَ الرَّمْيُ إذْ هُوَ الَّذِي يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ دُونَ الْإِصَابَةِ وَلَا فِعْلَ لَهُ أَصْلًا بَعْدَهُ فَيَصِيرُ قَاتِلًا بِالرَّمْيِ وَالْمَرْمِيُّ إلَيْهِ مُتَقَوِّمٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ، ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ فَأَصَابَ السَّهْمُ الصَّيْدَ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَجُرِحَ الصَّيْدُ وَمَاتَ حَلَّ أَكْلُهُ، وَكَذَا لَوْ كَفَّرَ بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ جَازَ تَكْفِيرُهُ فَكَانَ الْعِبْرَةُ بِحَالَةِ الرَّمْيِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَكِنْ فِيهِ شُبْهَةٌ لِسُقُوطِ الْعِصْمَةِ فِي حَالَةِ التَّلَفِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِإِسْلَامِهِ) أَيْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِإِسْلَامِ الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ بِأَنْ رَمَى إلَى حَرْبِيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: فَهَذَا مِثْلُهُ أَوْ أَحَقُّ مِنْهُ)؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ مَنْدُوبٌ إلَى السَّتْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ دُونَ الْعَاقِلَةِ)؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ الْمُطْلَقَ فِي الْأَصْلِ عَمْدٌ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالشَّكِّ. اهـ. غَايَةٌ

(بَابٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ). (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَتَجِبُ الدِّيَةُ إلَخْ) صُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ رَمَى رَجُلًا وَالْمَرْمِيُّ مُسْلِمٌ، ثُمَّ ارْتَدَّ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ بِهِ السَّهْمُ، ثُمَّ وَقَعَ بِهِ السَّهْمُ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَمَاتَ قَالَ الدِّيَةُ عَلَى الرَّامِي لِوَرَثَةِ الْمُرْتَدِّ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ عَلَى الرَّامِي وَإِنْ رُمِيَ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَوَقَعَ بِهِ السَّهْمُ بَعْدَمَا أَسْلَمَ لَمْ يَكُنْ عَلَى الرَّامِي شَيْءٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهَذِهِ مِنْ الْخَوَاصِّ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ عَنْ حَقِّهِ، ثُمَّ أَصَابَ السَّهْمُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَجَرَحَ الصَّيْدَ وَمَاتَ حَلَّ أَكْلُهُ) وَيُعْتَبَرُ قَاتِلًا مِنْ وَقْتِ الرَّمْيِ، وَلَوْ كَانَ مَجُوسِيًّا فَرَمَى إلَى صَيْدٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ، ثُمَّ أَصَابَهُ وَجَرَحَهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَقْتُ الرَّمْيِ وَوَقْتَ الرَّمْيِ كَانَ مَجُوسِيًّا، وَكَذَلِكَ إرْسَالُ الْكَلْبِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ) أَيْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً وا هـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لَا بِإِسْلَامِهِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَالَةُ الرَّمْيِ وَوَقْتَ الرَّمْيِ لَمْ يَكُنْ الْمَرْمِيُّ مُتَقَوِّمًا لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ بِكَوْنِهِ مُرْتَدًّا أَوْ حَرْبِيًّا فَكَانَ تَلَفُهُ هَدَرًا، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ فِعْلَهُ وَقْتَ الرَّمْيِ وَقَعَ هَدَرًا بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ فَلَا يَنْقَلِبُ مُعْتَبَرًا؛ وَلِأَنَّ قَتْلَ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ مَأْمُورٌ بِهِ فَلَوْ اعْتَبَرْنَا حَالَةَ الْإِصَابَةِ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ قَتْلِهِمْ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ وَقْتِ الْإِصَابَةِ فِي حَقِّهِمْ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُسْلِمًا وَقْتَ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ ثَمَّةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>