للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَاتِ الْبَيْنِ كَانَ قُرْبَةً فِي نَفْسِهِ وَمَعَ هَذَا يَضْمَنُ إذَا تَلِفَ بِهِ شَيْءٌ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ فِي الصَّحِيحِ، وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْأَظْهَرَ مَا قَالَاهُ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ مِنْ ضَرُورَاتِ الصَّلَاةِ، فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِهَا؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ ضَرُورَةً لِلشَّيْءِ يَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْجَالِسَ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ لَا يَضْمَنُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي عَمَلٍ لَا يَكُونُ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِالْمَسْجِدِ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَدُرُوسِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ، وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ يَقُولُ إنْ جَلَسَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ مُعْتَكِفًا لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ، وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ إنْ جَلَسَ لِلْحَدِيثِ يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ، وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ إذَا قَعَدَ فِيهِ لِحَدِيثٍ أَوْ نَامَ أَوْ قَامَ فِيهِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ أَوْ مَرَّ فِيهِ مَارًّا ضَمِنَ عِنْدَهُ، وَقَالَا لَا يَضْمَنُ وَإِنْ قَعَدَ لِلْعِبَادَةِ كَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ أَوْ الِاعْتِكَافِ أَوْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ لِلتَّدْرِيسِ أَوْ لِلذِّكْرِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى قَوْلِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَضْمَنُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَضْمَنُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ حَكَى ذَلِكَ كُلَّهُ فِي النِّهَايَةِ

[فَصْلٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ]

(فَصْلٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حَائِطٌ مَائِلٌ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ ضَمِنَ رَبُّهُ مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ إنْ طَالَبَ بِنَقْضِهِ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ وَلَمْ يَنْقُضْهُ فِي مُدَّةٍ يَقْدِرُ عَلَى نَقْضِهِ)، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ هُوَ تَعَدٍّ لَا مُبَاشَرَةُ عِلَّةٍ وَلَا مُبَاشَرَةُ شَرْطٍ أَوْ سَبَبٍ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ كَانَ فِي مِلْكِهِ مُسْتَقِيمًا وَالْمَيَلَانُ وَشَغْلُ الْهَوَاءِ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ فَلَا يَضْمَنُ كَمَا إذَا لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَعَنْ شُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ؛ وَلِأَنَّ الْحَائِطَ لَمَّا مَالَ فَقَدْ أَشْغَلَ هَوَاءَ الطَّرِيقِ بِمِلْكِهِ وَرَفْعُهُ فِي قُدْرَتِهِ، فَإِذَا تُقُدِّمَ إلَيْهِ وَطُولِبَ بِتَفْرِيغِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، فَإِذَا امْتَنَعَ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ صَارَ مُتَعَدِّيًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَقَعَ ثَوْبُ إنْسَانٍ فِي حَجْرِهِ يَصِيرُ مُتَعَدِّيًا بِالِامْتِنَاعِ عَنْ التَّسْلِيمِ إذَا طُولِبَ بِهِ حَتَّى يَضْمَنَ بِهَلَاكِهِ فِي يَدِهِ بَعْدَهُ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْإِشْهَادِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ هَلَاكِ الثَّوْبِ قَبْلَ الطَّلَبِ؛ وَلِأَنَّا لَوْ لَمْ نُوجِبْ عَلَيْهِ الضَّمَانَ يَمْتَنِعُ عَنْ التَّفْرِيغِ فَتَنْقَطِعُ الْمَارَّةُ حَذَارِ الْوُقُوعِ عَلَيْهِمْ فَيَتَضَرَّرُونَ بِذَلِكَ وَدَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ وَاجِبٌ وَلَهُ تَعَلُّقٌ بِالْحَائِطِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَتَعَيَّنَ لِدَفْعِ هَذَا الضَّرَرِ وَكَمْ مِنْ ضَرَرٍ خَاصٍّ يَجِبُ تَحَمُّلُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ كَالرَّمْيِ إلَى الْكُفَّارِ وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِصِبْيَانِ الْمُسْلِمِينَ وَكَقَطْعِ الْيَدِ الْمُسْتَأْكَلَةِ، ثُمَّ مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ النُّفُوسِ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ؛ لِأَنَّهَا تَتَحَمَّلُ تَخْفِيفًا عَنْهُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى الِاسْتِئْصَالِ فَهُوَ أَحَقُّ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ دُونَ الْخَطَأِ، فَيَكُونُ أَدْعَى إلَى التَّخْفِيفِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ عَلَى التَّقَدُّمِ إلَيْهِ فِي النَّقْضِ وَعَلَى أَنَّهُ مَاتَ بِالسُّقُوطِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَنَّ الدَّارَ لَهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ وَالْمِلْكُ الثَّابِتُ بِظَاهِرِ الْيَدِ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَمَا تَلِفَ بِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ فَضَمَانُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْمَالَ وَالشَّرْطُ طَلَبُ النَّقْضِ مِنْهُ دُونَ الْإِشْهَادِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْإِشْهَادَ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ إثْبَاتِهِ عِنْدَ جُحُودِهِ أَوْ جُحُودِ عَاقِلَتِهِ فَكَانَ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ كَالْإِشْهَادِ عَلَى طَلَبِ الشُّفْعَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ لِصِحَّةِ الطَّلَبِ كَعَقْدِ النِّكَاحِ وَيَصِحُّ الطَّلَبُ بِكُلِّ لَفْظٍ يُفْهَمُ مِنْهُ طَلَبُ النَّقْضِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنَّ حَائِطَك هَذَا مَخُوفٌ أَوْ مَائِلٌ فَاهْدِمْهُ حَتَّى لَا يَسْقُطَ فَيُتْلِفَ شَيْئًا أَوْ اهْدِمْهُ فَإِنَّهُ مَائِلٌ صَحَّ الطَّلَبُ وَصَارَ إشْهَادًا إذَا كَانَ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي تَقَدَّمْت إلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي هَدْمِ حَائِطِهِ هَذَا صَحَّ أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ لَهُ يَنْبَغِي لَك أَنْ تَهْدِمَهُ فَهَذَا لَيْسَ بِطَلَبٍ وَلَا إشْهَادٍ، بَلْ هُوَ مَشْهُورَةٌ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ التَّقَدُّمُ إلَى مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّفْرِيغِ كَالْمَالِكِ وَالْوَصِيِّ فِي مِلْكِ الصَّغِيرِ أَوْ الْجَدِّ أَوْ الْعَبْدِ التَّاجِرِ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا وَالتَّالِفُ بِهِ يَكُونُ فِي رَقَبَتِهِ إنْ كَانَ مَالًا وَالنَّفْسُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى وَإِلَى الرَّاهِنِ فِي الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ؛ لِأَنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى الْهَدْمِ وَإِلَى الْمُكَاتَبِ، ثُمَّ إنْ أَتْلَفَ حَالَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

فَصْلٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ). لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْقَتْلِ الَّذِي يَحْصُلُ بِمُبَاشَرَةِ الْإِنْسَانِ أَوْ تَسْبِيبِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْقَتْلِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْجَمَادِ الَّذِي لَا اخْتِيَارَ لَهُ أَصْلًا وَهُوَ الْحَائِطُ الْمَائِلُ، وَذَكَرَ مَسَائِلَهُ بِلَفْظِ الْفَصْلِ فِي أَوَّلِهَا لَا بِلَفْظِ الْبَابِ إشَارَةً إلَى أَنَّ مَا فِي هَذَا الْفَصْلِ نَوْعٌ مِمَّا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ مِنْ حَقِّ هَذَا الْفَصْلِ أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْ مَسَائِلِ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ؛ لِأَنَّهُ جَمَادٌ وَالْجَمَادُ مُؤَخَّرٌ عَنْ الْحَيَوَانِ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَهُ هُنَا لِمُنَاسَبَةٍ وَهُوَ أَنَّ الْحَائِطَ تُنَاسِبُ الْجُرْصُنَ وَالرَّوْشَنَ وَغَيْرَهُ فَلِهَذَا أَلْحَقَهُ بِهَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: فَإِذَا تُقُدِّمَ) عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ مِنْ مَاضِي التَّقَدُّمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَكَقَطْعِ الْيَدِ الْمُسْتَأْكَلَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَطْعُ الْيَدِ لِلْأَكْلَةِ عِنْدَ خَوْفِ هَلَاكِ النَّفْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ النُّفُوسِ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ) وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُبَاشِرٍ فِيمَا أَصَابَ الْحَائِطُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ: وَعَلَى أَنَّ الدَّارَ لَهُ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَإِذَا أَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ بِذَلِكَ، وَلَوْ أَقَرَّ صَاحِبُ الدَّارِ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَزِمَهُ فِي مَالِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَكَانَ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ) حَتَّى لَوْ اعْتَرَفَ صَاحِبُهُ أَنَّهُ طُولِبَ بِنَقْضِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي التُّحْفَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِلَى الْمُكَاتَبِ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ مُكَاتَبٌ لَهُ حَائِطٌ مَائِلٌ إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ فَأَشْهَدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ سَقَطَ فَأَتْلَفَ إنْسَانًا فَعَلَى الْمُكَاتَبِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ دِيَةِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ فَعَتَقَ، ثُمَّ سَقَطَ فَأَتْلَفَ إنْسَانًا فَفِيهِ دِيَةُ الْقَتِيلِ عَلَى عَاقِلَةِ مَوْلَاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْرَجَ جَنَاحًا أَوْ كَنِيفًا، ثُمَّ عَتَقَ، ثُمَّ وَقَعَ وَقَتَلَ إنْسَانًا كَانَ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>