للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمَّا عَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ كُلِّ قَتِيلٍ سَقَطَ حَقُّ الْعَافِيَيْنِ عَنْ الرَّقَبَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَخَلَا نَصِيبُهُمَا مِنْهُ عَنْ حَقِّهِمَا وَصَارَ ذَلِكَ لِلْمَوْلَى وَهُوَ النِّصْفُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ حَقَّ وَلِيَّيْ الْخَطَأِ ثَابِتٌ فِي الْكُلِّ عَلَى حَالِهِ فَكَانَتْ الرَّقَبَةُ كُلُّهَا مُسْتَحَقَّةً لَهُمَا وَالنِّصْفُ لِغَيْرِ الْعَافِي مِنْ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ فَلِهَذَا افْتَرَقَا فَيَقْتَسِمُونَ كُلَّهُ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ فِيهِ أَوْ الْمُنَازَعَةِ وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ وَأَضْدَادُ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ بِأُصُولِهَا الَّتِي نَشَأَ مِنْهَا الْخِلَافُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا نُعِيدُهُ

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَبْدُهُمَا قَتَلَ قَرِيبَهُمَا فَعَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْكُلُّ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَتَلَ قَرِيبًا لَهُمَا كَأَبِيهِمَا أَوْ أَخِيهِمَا فَعَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْجَمِيعُ فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرُ الْعَافِي مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ الْعَبْدِ غَيْرَ نَصِيبِهِ الَّذِي كَانَ لَهُ مِنْ قَبْلُ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ لِقَرِيبٍ لَهُمَا أَوْ لِمُعْتِقِهِمَا فَقَتَلَ مَوْلَاهُ فَوَرِثَاهُ بَطَلَ الْكُلُّ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَدْفَعُ الَّذِي عَفَا نِصْفَ نَصِيبِهِ إلَى الْآخَرِ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِرُبْعِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْقِصَاصِ ثَبَتَ لَهُمَا فِي الْعَبْدِ عَلَى الشُّيُوعِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يُنَافِي اسْتِحْقَاقَ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ لِلْمَوْلَى، فَإِذَا عَفَا أَحَدُهُمَا انْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ وَهُوَ النِّصْفُ مَالًا غَيْرَ أَنَّهُ شَائِعٌ فِي كُلِّ الْعَبْدِ، فَيَكُونُ نِصْفُهُ فِي نَصِيبِهِ وَنِصْفُهُ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ فَمَا أَصَابَ نَصِيبَهُ سَقَطَ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ مَالًا وَمَا أَصَابَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ ثَبَتَ وَهُوَ نِصْفُ النِّصْفِ وَهُوَ الرُّبْعُ فَيَدْفَعُ نِصْفَ نَصِيبِهِ أَوْ يَفْدِيهِ بِرُبْعِ الدِّيَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَا يَجِبُ مِنْ الْمَالِ يَكُونُ حَقَّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ دَمِهِ وَلِهَذَا تُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ مِنْهُ وَصَايَاهُ، ثُمَّ الْوَرَثَةُ يَخْلُفُونَهُ فِيهِ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ حَاجَتِهِ وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ مَالًا فَلَا يَخْلُفُهُ الْوَرَثَةُ فِيهِ؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ لَمَّا صَارَ مَالًا صَارَ بِمَعْنَى الْخَطَأِ وَفِيهِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فَكَذَا مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

[فَصْلٌ قُتِلَ عَبْدٌ خَطَأً]

(فَصْلٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قُتِلَ عَبْدٌ خَطَأً تَجِبُ قِيمَتُهُ وَنَقَصَ عَشَرَةٌ لَوْ كَانَتْ عَشَرَةَ آلَافٍ أَوْ أَكْثَرَ وَفِي الْأَمَةِ عَشَرَةٌ مِنْ خَمْسَةِ آلَافٍ وَالْمَغْصُوبُ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَفِي الْغَصْبِ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ بِالْإِجْمَاعِ لَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا فِي قَتْلِ الْعَبْدِ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ؛ وَلِأَنَّ الضَّمَانَ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا يَجِبُ لِلْمَوْلَى وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إلَّا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ، وَلَوْ كَانَ بَدَلُ الدَّمِ لَكَانَ لِلْعَبْدِ إذْ هُوَ فِي حَقِّ الدَّمِ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فَعُلِمَ أَنَّهُ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا لَوْ قُتِلَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْقَى عَقْدُ الْبَيْعِ وَبَقَاؤُهُ بِبَقَاءِ الْمَالِيَّةِ أَصْلًا أَوْ بَدَلًا فِي حَالِ قِيَامِهِ أَوْ هَلَاكِهِ فَصَارَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ وَكَقَلِيلِ الْقِيمَةِ وَالْغَصْبِ؛ وَلِأَنَّ ضَمَانَ الْمَالِ بِالْمَالِ أَصْلٌ، وَضَمَانُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ بِالْمَالِ خِلَافُ الْأَصْلِ وَمَهْمَا أَمْكَنَ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى مُوَافَقَةِ الْقِيَاسِ لَا يُصَارُ إلَى إيجَابِهِ بِخِلَافِ الْأَصْلِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَوْله تَعَالَى {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] أَوْجَبَهَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا وَالدِّيَةُ اسْمٌ لِلْوَاجِبِ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ وَهُوَ آدَمِيٌّ فَيَدْخُلُ تَحْتَ النَّصِّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ حُكْمَانِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَالْعَبْدُ دَاخِلٌ فِيهَا فِي حَقِّ الْكَفَّارَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِكَوْنِهِ آدَمِيًّا فَكَذَا فِي حَقِّ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

فَصْلٌ). لَمَّا فَرَغَ مِنْ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى غَيْرِهِ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْفَاعِلَ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَفْعُولِ وُجُودًا فَوَجَبَ تَرْتِيبُهُ كَذَلِكَ لِلْمُنَاسَبَةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: قُتِلَ عَبْدٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَمَنْ قَتَلَ عَبْدًا خَطَأً فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لَا تُزَادُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ قُضِيَ لَهُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً وَفِي الْأَمَةِ إذَا ازْدَادَتْ قِيمَتُهَا عَلَى الدِّيَةِ خَمْسَةُ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَمُحَمَّدٍ وَذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلَا تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ كَضَمَانِ الْأَمْوَالِ كَذَا ذَكَرَ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ قِيمَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَرَوَى أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ قِيمَتُهُ عَلَى الْجَانِي فِي مَالِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلَا تَتَحَمَّلُ الْعَاقِلَةُ مِنْهَا شَيْئًا إلَى هُنَا لَفْظُ الطَّحَاوِيِّ وَأَجْمَعُوا فِي الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ إذَا هَلَكَ عِنْدَ الْغَاصِبِ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ رُوِيَ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُبْلَغُ بِهِ دِيَةَ الْحُرِّ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيُّ وَعَطَاءٌ وَرَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ فِيهِ الْقِيمَةُ بَالِغًا مَا بَلَغَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَبْدَ مَضْمُونٌ بِالْقَتْلِ بِالِاتِّفَاقِ لَكِنَّهُ مَضْمُونٌ عِنْدَنَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلِهَذَا لَوْ قُتِلَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ إلَخْ) مَسْأَلَةُ مَا إذَا قُتِلَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ ذَكَرَهَا الشَّارِحُ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَلِأَبِي الْمَعْتُوهِ الْقَوَدُ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ.

(قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَوْله تَعَالَى {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ} [النساء: ٩٢] وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ تَعَالَى سَمَّى الْوَاجِبَ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً دِيَةً وَالْعَبْدُ مُؤْمِنٌ قُتِلَ خَطَأً فَيَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ وَالدِّيَةُ اسْمٌ لِمَا يَجِبُ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيِّ لَا بِمُقَابَلَةِ الْمَالِ وَمَا يَجِبُ بِمُقَابَلَةِ الْمَالِ يُسَمَّى قِيمَةً وَضَمَانًا وَهُوَ الْعُرْفُ فَثَبَتَ بِدَلَالَةِ الْآيَةِ أَنَّ الْعَبْدَ مَضْمُونٌ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيِّ وَلَا يُزَادُ عَلَى تَقْدِيرِ الشَّرْعِ فِي الدِّيَةِ وَيُنْقَصُ عَنْهَا بِأَثَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ لِنُقْصَانِ الرِّقِّ فِيهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ كَامِلِ الْحَالِ وَنَاقِصِ الْحَالِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْآدَمِيَّةِ رَاجِحٌ فِيهِ أَنَّ أَكْثَرَ تَكَالِيفِ الشَّرْعِ مُتَوَجِّهَةٌ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ مِنْ حَيْثُ الْآدَمِيَّةُ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>