للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَقَامَ غَيْرَهُ مُقَامَ نَفْسِهِ فِي الْحِفْظِ وَلَا إقَامَةَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الصَّبِيِّ حَتَّى يَلْزَمَهُ وَلَا لِلصَّبِيِّ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى يَلْتَزِمَ بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ كَالْبَالِغِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا؛ لِأَنَّ عِصْمَتَهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ إذْ هُوَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ فَكَانَتْ عِصْمَتُهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ لَا لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّ عِصْمَةَ الْمَالِكِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِيمَا لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِهْلَاكِ حَتَّى يُمَكَّنَ غَيْرُهُ مِنْ الِاسْتِهْلَاكِ بِالتَّسْلِيطِ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى وِلَايَةُ اسْتِهْلَاكِ عَبْدِهِ فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُمَكَّنَ غَيْرُهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُعْتَبَرُ تَسْلِيطُهُ فَيَضْمَنُهُ الصَّبِيُّ بِاسْتِهْلَاكِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

(بَابُ الْقَسَامَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَتِيلٌ وُجِدَ فِي مَحَلَّةٍ لَمْ يُدْرَ قَاتِلُهُ حَلَفَ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ يَتَخَيَّرُهُمْ الْوَلِيُّ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا) هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْحِكَايَةِ عَنْ الْجَمْعِ وَأَمَّا عِنْدَ الْحَلِفِ فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا لِجَوَازِ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَحْدَهُ فَيَجْتَرِئُ عَلَى يَمِينِهِ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَا يَعْنِي جَمِيعًا وَلَا يَعْكِسُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَتَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ كَانَ قَاتِلًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ اُسْتُحْلِفَ الْأَوْلِيَاءُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيُقْضَى لَهُمْ بِالدِّيَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَمْدًا كَانَتْ الدَّعْوَى أَوْ خَطَأً وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقْضَى بِالْقَوَدِ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاللَّوْثُ عِنْدَهُمَا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ عَلَامَةُ الْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ ظَاهِرٌ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي مِنْ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ يَشْهَدَ عَدْلٌ أَوْ جَمَاعَةٌ غَيْرُ عُدُولٍ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ قَتَلُوهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ لَوْثٌ يَسْتَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَإِنْ حَلَفُوا لَا دِيَةَ لَهُمْ وَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَحْلِفُوا اُسْتُحْلِفَ الْمُدَّعُونَ وَاسْتَحَقُّوا مَا ادَّعَوْا.

لِمَا رُوِيَ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وُجِدَ قَتِيلًا فِي قَلِيبٍ مِنْ قُلُبِ خَيْبَرَ فَقَالَ عَمُّهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا وَجَدْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَتِيلًا فِي قَلِيبٍ مِنْ قُلُبِ خَيْبَرَ وَذَكَرَ عَدَاوَةَ يَهُودٍ لَهُمْ فَقَالَ أَفَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا أَنَّهُمْ لَمْ يَقْتُلُوهُ قَالَ قُلْت فَكَيْفَ نَرْضَى بِأَيْمَانِهِمْ وَهُمْ مُشْرِكُونَ قَالَ فَيُقْسِمُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ قَالُوا كَيْفَ نُقْسِمُ عَلَى مَا لَمْ نَرَ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدِهِ»، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ «أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ قَاتِلِكُمْ أَوْ صَاحِبِكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَحْضُرْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ»، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَى مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَى صَاحِبِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ إلَخْ) وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفَهُ غَيْرُ الصَّبِيِّ فِي يَدِ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ سَقَطَتْ الْعِصْمَةُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الصَّبِيِّ دُونَ غَيْرِهِ. اهـ. هِدَايَةٌ قَوْلُهُ دُونَ غَيْرِهِ كَمَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ تَسْقُطُ عِصْمَةُ دَمِهِ فِي حَقِّ مَنْ وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ فَحَسْبُ حَتَّى بَقِيَ مَعْصُومَ الدَّمِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. اهـ. غَايَةٌ.

[بَابُ الْقَسَامَةِ]

(بَابُ الْقَسَامَةِ) لَمَّا كَانَ أَمْرُ الْقَتْلِ يَئُولُ إلَى الْقَسَامَةِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهَا عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ ثُمَّ الْقَسَامَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَيْمَانِ الَّتِي تُعْرَضُ عَلَى خَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَوْ الدَّارِ إذَا وُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ لَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ الرِّجَالُ خَمْسِينَ رَجُلًا تَكَرَّرَ الْيَمِينُ إلَى أَنْ تَتِمَّ خَمْسِينَ يَمِينًا وَسَبَبُهَا وُجُودُ قَتِيلٍ لَا يُدْرَى قَاتِلُهُ فِي مَحَلَّةٍ أَوْ دَارٍ أَوْ فِي مَوْضِعٍ يَقْرَبُ إلَى الْقَرْيَةِ بِحَيْثُ يُسْمَعُ الصَّوْتُ مِنْهُ وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ الَّذِي يَقْسِمُ رَجُلًا عَاقِلًا بَالِغًا حُرًّا لَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ بِالْمَيِّتِ أَثَرُ الْقَتْلِ نَحْوَ الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَالْجِرَاحَةِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْأَثَرُ مَوْجُودًا فَهُوَ مَيِّتٌ لَا قَتِيلٌ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ وَمِنْ شَرْطِهَا أَيْضًا تَكْمِيلُ خَمْسِينَ يَمِينًا كَمَا بَيَّنَّا وَرُكْنُهَا أَنْ يَقُولَ مَنْ يَقْسِمُ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا لِأَنَّ رُكْنَ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَلَا قِيَامَ لِلْقَسَامَةِ إلَّا بِهَا.

وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عِنْدَنَا وَشَرْعِيَّتُهَا ثَبَتَتْ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَبِالْإِجْمَاعِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ قَتِيلٌ وُجِدَ فِي مَحَلَّةٍ إلَخْ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ وَبِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ سَمِعْنَا أَبَا يُوسُفَ قَالَ فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ فِي الْمَحَلَّةِ أَوْ فِي دَارِ رَجُلٍ فِي الْمِصْرِ فَإِنْ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَتْ بِهِ جِرَاحَةٌ أَوْ أَثَرُ ضَرْبٍ أَوْ أَثَرُ خَنْقٍ فَإِنَّ هَذَا قَتِيلٌ وَفِيهِ الْقَسَامَةُ عَلَى عَاقِلَةِ رَبِّ الدَّارِ إذَا وُجِدَ فِي الْمَحَلَّةِ يَقْسِمُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا ثُمَّ يَغْرَمُونَ الدِّيَةَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ فِي كُلِّ سَنَةٍ الثُّلُثُ وَاَلَّذِينَ يَحْلِفُونَ خَمْسُونَ رَجُلًا يَتَخَيَّرُهُمْ مِنْ الْعَاقِلَةِ وَلِيُّ الدَّمِ فَإِنْ نَقَصُوا عَنْ الْخَمْسِينَ كُرِّرَتْ عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانُ حَتَّى تَكْمُلَ خَمْسِينَ يَمِينًا.

وَلَيْسَ يَحْلِفُ فِيهِمْ صَبِيٌّ لَمْ يَبْلُغْ وَلَا امْرَأَةٌ وَلَا عَبْدٌ ثُمَّ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا لَيْسَ فِيهِ أَثَرٌ وَلَا جِرَاحَةٌ فَلَيْسَ فِي هَذَا قَسَامَةٌ وَلَا دِيَةٌ هَذَا مَيِّتٌ وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ فِيهِمْ الْفَاسِقُ وَالصَّالِحُ فَالْخِيَارُ فِي اسْتِحْلَافِهِمْ إلَى الْوَرَثَةِ يَخْتَارُونَ أَهْلَ الصَّلَاحِ إنْ أَحَبُّوا حَتَّى يَسْتَحْلِفُوهُمْ فَإِنْ كَانَ أَهْلُ الصَّلَاحِ لَا يُتِمُّونَ خَمْسِينَ وَأَرَادُوا أَنْ يَرُدُّوا عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانَ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَلَهُمْ أَنْ يَتَخَيَّرُوا مِنْ الْبَاقِينَ تَمَامَ خَمْسِينَ رَجُلًا إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَى مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ) بِدَلِيلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا الظَّاهِرُ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي لِأَنَّهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ الْمُسْتَمِعِ وَالرَّائِي أَنَّهُ صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ وَلَكِنَّ هَذِهِ دَلَالَةٌ فِيهَا شُبْهَةٌ فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِالشُّبْهَةِ فِي الْجَدِيدِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>