للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَاتِلُ فَلَا مَعْنَى لِإِخْرَاجِهِ وَمُؤَاخَذَةِ غَيْرِهِ بِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكُلُّ فَكَذَا الْبَعْضُ إذْ الْجُزْءُ لَا يُخَالِفُ الْكُلَّ قُلْنَا إيجَابُ الْكُلِّ إجْحَافٌ بِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْبَعْضُ، وَلِأَنَّهَا تَجِبُ لِلنُّصْرَةِ وَهُوَ يَنْصُرُ نَفْسَهُ، مِثْلُ مَا يَنْصُرُهُ غَيْرُهُ بَلْ أَشَدُّ فَكَانَ أَوْلَى بِإِيجَابٍ عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ الْمُخْطِئُ مَعْذُورًا فَالْبَرِيءُ مِنْهُ أَوْلَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] وَعَدَمُ وُجُوبِ الْكُلِّ لَا يَنْفِي وُجُوبَ الْبَعْضِ، أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَوَاقِلِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكُلُّ وَمَعَ هَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَعْضُ فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ اعْتِبَارَ الْجُزْءِ بِالْكُلِّ بَاطِلٌ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَاقِلَةُ الْمُعْتَقِ قَبِيلَةُ مَوْلَاهُ)؛ لِأَنَّ نُصْرَتَهُ بِهِمْ وَاسْمُهُ يُنْبِئُ عَنْهَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ».

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَعْقِلُ عَنْ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ مَوْلَاهُ وَقَبِيلَتُهُ) وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ هُوَ الْحِلْفُ فَيَعْقِلُ عَنْهُ مَوْلَاهُ الَّذِي عَاقَدَهُ وَعَاقِلَةُ مَوْلَاهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَقَبِيلَتُهُ أَيْ قَبِيلَةُ مَوْلَاهُ الَّذِي عَاقَدَهُ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَتَنَاصَرُ بِهِ فَأَشْبَهَ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْوَلَاءِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَعْقِلُ عَاقِلَةٌ جِنَايَةَ الْعَبْدِ وَالْعَمْدَ وَلَا مَا لَزِمَ صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُ لَا يُتَنَاصَرُ بِالْعَبْدِ وَالْإِقْرَارُ وَالصُّلْحُ لَا يَلْزَمَانِ الْعَاقِلَةَ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ عَنْهُمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ) فِي الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ إقْرَارٌ مِنْهُمْ فَيَلْزَمُهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ؛ لِأَنَّ لَهُمْ وِلَايَةً عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَالِامْتِنَاعُ كَانَ لِحَقِّهِمْ وَقَدْ زَالَ أَوْ تَقُومُ الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالْمُشَاهَدِ؛ لِأَنَّهَا كَاسْمِهَا مُبَيِّنَةٌ وَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ هُنَا مَعَ الْإِقْرَارِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُعْتَبَرُ مَعَهُ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ الْوُجُوبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ثُمَّ مَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ يَجِبُ مُؤَجَّلًا وَمَا ثَبَتَ بِالصُّلْحِ حَالٌّ إلَّا إذَا اشْتَرَطَ التَّأْجِيلَ فِي الصُّلْحِ وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَوْ أَقَرَّهُ بِالْقَتْلِ خَطَأً فَلَمْ يَرْتَفِعُوا إلَى الْحَاكِمِ إلَّا بَعْدَ سِنِينَ فَقَضَى عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ كَانَ أَوَّلُ الْمُدَّةِ مِنْ يَوْمِ يَقْضِي عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ فِي الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ فَكَذَا فِي الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَضْعَفُ، وَلَوْ تَصَادَقَ الْقَاتِلُ وَأَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ عَلَى أَنَّ قَاضِيَ بَلَدِ كَذَا قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَكَذَّبَتْهُمَا الْعَاقِلَةُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ بِتَصَادُقِهِمَا تَقَرَّرَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالْقَضَاءِ وَتَصَادُقُهُمَا حُجَّةٌ فِي حَقِّهِمَا فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا حِصَّتُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ حَيْثُ يَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ التَّصْدِيقُ مِنْ الْوَلِيِّ بِالْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَقَدْ وُجِدَ هُنَا فَافْتَرَقَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ جَنَى حُرٌّ عَلَى عَبْدٍ خَطَأً فَهِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ) يَعْنِي إذَا قَتَلَهُ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ أَطْرَافَ الْعَبْدِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَتَحَمَّلَ النَّفْسُ أَيْضًا بَلْ تَجِبُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَالِ وَفِي الْحَدِيثِ «لَا تَعْقِلْ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا» وَلَنَا أَنَّهُ آدَمِيٌّ فَتَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ كَالْحُرِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ وَهِيَ بَدَلُ الْآدَمِيِّ لَا الْمَالُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ فَكَانَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِخِلَافِ مَا دُونَ النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ جِنَايَتُهُ أَيْ لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ جِنَايَةَ عَمْدٍ وَلَا جِنَايَةَ عَبْدٍ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ تُوجِبُ دَفْعَهُ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى قَالَ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ مِمَّنْ لَهُ حَظٌّ فِي الدِّيوَانِ عَقْلٌ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَعْقِلُ مَعَ الْعَوَاقِلِ صَبِيٌّ وَلَا امْرَأَةٌ، وَلِأَنَّ الْعَقْلَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ لِتَرْكِهِمْ مُرَاقَبَتَهُ وَالنَّاسُ لَا يَتَنَاصَرُونَ بِالصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ وَلِهَذَا لَا يُوضَعُ عَلَيْهِمْ مَا هُوَ خَلَفٌ عَنْ النُّصْرَةِ وَهُوَ الْجِزْيَةُ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا مِنْ الدِّيَةِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ جُزْءٍ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَحَدُ الْعَوَاقِلِ؛ لِأَنَّهُ يَنْصُرُ نَفْسَهُ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ مِنْهُمَا وَالْفَرْضُ لَهُمَا مِنْ الْعَطَايَا لِلْمَعُونَةِ لَا لِلنُّصْرَةِ كَفَرْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا صَحِيحٌ فِيمَا إذَا قَتَلَهُ غَيْرُهُمَا وَأَمَّا إذَا بَاشَرَا الْقَتْلَ أَنْفُسُهُمَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا يُشَارِكَانِ الْعَاقِلَةَ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ إذَا قَتَلَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكُونُ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ.

وَلَا يَعْقِلُ أَهْلُ مِصْرٍ عَنْ أَهْلِ مِصْرٍ آخَرَ إذَا كَانَ لِأَهْلِ كُلِّ مِصْرٍ دِيوَانٌ عَلَى حِدَةٍ؛ لِأَنَّ التَّنَاصُرَ بِالدِّيوَانِ عِنْدَ وُجُودِهِ، وَلَوْ كَانَ بِاعْتِبَارِ الْقُرْبِ فِي السُّكْنَى فَأَهْلُ مِصْرِهِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِ مِصْرٍ آخَرَ وَيَعْقِلُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَلَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِوَلَائِهِ إلَى غَيْرِهِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ فَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُوَالِ أَحَدًا حَتَّى عَقَلَ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ أَحَدًا بَعْدَ ذَلِكَ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ سَيَأْتِي فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا مِنْ الدِّيَةِ ثُمَّ قَالَ الشَّارِحُ بَعْدَ هَذَا بِقَلِيلٍ وَأَمَّا إذَا بَاشَرَا الْقَتْلَ بِأَنْفُسِهِمَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا يُشَارِكَانِ الْعَاقِلَةَ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ إذَا قَتَلَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكُونُ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ. اهـ.

[وَعَاقِلَة المعتق قَبِيلَة مَوْلَاهُ]

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) أَرَادَ بِهِ مَا إذَا أَقَرَّ بِقَتْلٍ خَطَأً حَيْثُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ عَلَى نَفْسِهِ وَيَدَّعِي وَلِيُّ الْقَتِيلِ عَلَيْهِ أَيْضًا وَهُنَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يَدَّعِي وَلِيُّ الْقَتِيلِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَصَادَقَ مَعَ الْقَاتِلِ أَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَقَدْ قَضَى بِهَا الْقَاضِي عَلَيْهِمْ فَلَا يَكُونُ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ جَنَى حُرٌّ عَلَى عَبْدٍ خَطَأً فَهِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَالٍ عِنْدَهُ ذَكَرَ هَذَا الشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي مَسْأَلَةِ الِاصْطِدَامِ اهـ (قَوْلُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ) الذُّرِّيَّةُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ وَأَرَادَ هُنَا الصِّبْيَانَ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الذَّرِّ وَهِيَ صِغَارُ النَّمْلِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْفَرْضُ لَهُمَا) أَيْ لِلصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِلْمَعُونَةِ) أَيْ لِمَعُونَةِ الْجُنْدِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ بِالطَّبْخِ وَالْخِيَاطَةِ وَحِفْظِ الْمَنْزِلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. اهـ. غَايَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>