للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ أَيْسَرِ الْأَمْوَالِ أَدَاءً وَالْأَدَاءُ مِنْ الْعَطَاءِ أَيْسَرُ إذَا صَارُوا مِنْ أَهْلِ الْعَطَاءِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَالُ الْعَطَاءِ مِنْ جِنْسِ مَا قَضَى بِهِ عَلَيْهِمْ بِأَنْ كَانَ الْقَضَاءُ بِالْإِبِلِ وَالْعَطَاءُ دَرَاهِمَ فَحِينَئِذٍ لَا يَتَحَوَّلُ إلَى الدَّرَاهِمِ أَبَدًا لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ لَكِنْ يَقْضِي بِالْإِبِلِ مِنْ مَالِ الْعَطَاءِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ.

قَالَ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إنَّ الْقَاتِلَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ هُمْ أَهْلُ نُصْرَتِهِ وَلَيْسَ بَعْضُهُمْ أَخَصَّ مِنْ بَعْضٍ بِذَلِكَ وَلِهَذَا إذَا مَاتَ كَانَ مِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَكَذَا مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْغَرَامَةِ يَلْزَمُ بَيْتَ الْمَالِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ أَنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِهِ، وَوَجْهُهَا أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ عَلَى الْجَانِي وَهُوَ الْقَاتِلُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمُتْلَفِ وَالْإِتْلَافُ مِنْهُ إلَّا أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَتَحَمَّلُهَا تَحْقِيقًا لِلتَّخْفِيفِ عَلَى مَا عُرِفَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ عَادَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ.

وَابْنُ الْمُلَاعَنَةِ يَعْقِلُهُ عَاقِلَةُ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ نَسَبَهُ ثَابِتٌ مِنْهَا دُونَ الْأَبِ فَإِذَا عَقَلُوا عَنْهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْأَبُ رَجَعَتْ عَاقِلَةُ الْأُمِّ بِمَا أَدَّتْ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ قَضَى لَهُمْ بِالرُّجُوعِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الدِّيَةَ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِكْذَابِ ظَهَرَ أَنَّ النَّسَبَ كَانَ ثَابِتًا مِنْ الْأَبِ حَيْثُ بَطَلَ اللِّعَانُ بِالْإِكْذَابِ وَمَتَى ظَهَرَ أَنَّ النَّسَبَ كَانَ ثَابِتًا مِنْهُ مِنْ الْأَصْلِ فَقَوْمُ الْأُمِّ تَحَمَّلُوا مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَى قَوْمِ الْأَبِ فَيَرْجِعُونَ بِهَا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مُضْطَرُّونَ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَفَاءٍ وَلَهُ وَلَدٌ مُسْلِمٌ حُرٌّ فَلَمْ تُؤَدَّ كِتَابَتُهُ حَتَّى جَنَى ابْنُهُ جِنَايَةً وَعَقَلَ عَنْهُ قَوْمُ أُمِّهِ ثُمَّ أُدِّيَتْ الْكِتَابَةُ تَرْجِعُ عَاقِلَةُ الْأُمِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ عِنْدَ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ يَتَحَوَّلُ وَلَاؤُهُ إلَى قَوْمِ أَبِيهِ مِنْ وَقْتِ ثَبَتَتْ الْحُرِّيَّةُ لِلْأَبِ وَهُوَ آخِرُ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ قَوْمَ الْأُمِّ عَقَلُوا عَنْهُمْ فَيَرْجِعُونَ عَلَيْهِمْ.

، وَكَذَلِكَ رَجُلٌ أَمَرَ صَبِيًّا بِقَتْلِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ فَضَمِنَتْ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ الدِّيَةَ رَجَعَتْ بِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْآمِرِ إنْ كَانَ الْأَمْرُ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ وَفِي مَالِ الْآمِرِ إنْ كَانَ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يَقْضِي بِهَا عَلَى الْآمِرِ أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ مُؤَجَّلَةً بِطَرِيقِ التَّيْسِيرِ عَلَيْهِمْ فَكَذَا الرُّجُوعُ بِهَا تَحْقِيقًا لِلْمُمَاثِلَةِ ثُمَّ مَسَائِلُ الْمَعَاقِلِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ كَثِيرَةٌ وَأَجْوِبَتُهَا مُخْتَلِفَةٌ وَالضَّابِطُ الَّذِي يَرُدُّ كُلَّ جِنْسٍ إلَى أَصْلِهِ أَنْ يُقَالَ أَنَّ حَالَ الْقَاتِلِ إنْ تَبَدَّلَ حُكْمًا بِسَبَبِ حَادِثٍ فَانْتَقَلَ مِنْ وَلَاءٍ إلَى وَلَاءٍ لَمْ تَنْتَقِلْ جِنَايَتُهُ عَنْ الْأُولَى قَضَى بِهَا أَوْ لَمْ يَقْضِ، وَذَلِكَ كَالْوَلَدِ الْمَوْلُودِ بَيْنَ حُرَّةٍ وَعَبْدٍ إذَا جَنَى ثُمَّ أَعْتَقَ الْأَبُ يَجُرُّ وَلَاءَ الْوَلَدِ إلَى قَوْمِهِ وَلَا تَتَحَوَّلُ الْجِنَايَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُمِّ قَضَى بِهَا أَوْ لَمْ يَقْضِ، وَكَذَا لَوْ حَفَرَ هَذَا الْغُلَامُ بِئْرًا ثُمَّ أَعْتَقَ أَبُوهُ ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِحَالَةِ الْحَفْرِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَبَاعَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الْبَائِعِ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ بَعْدَ الْحَفْرِ وَلَمْ يَبِعْهُ ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَا.

وَمِنْ نَظِيرِهِ حَرْبِيٌّ أَسْلَمَ وَوَالَى رَجُلًا فَجَنَى جِنَايَةً ثُمَّ أَعْتَقَ أَبُوهُ جَرَّ وَلَاءَهُ؛ لِأَنَّ الْعَتَاقَةَ أَقْوَى وَجِنَايَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ وَالَاهُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِوَقْتِ الْجِنَايَةِ وَتَحَوُّلِ الْوَلَاءِ بِسَبَبٍ حَادِثٍ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ تِلْكَ الْجِنَايَةِ فَلَا تَبَدُّلَ وَإِنْ لَمْ يَتَبَدَّلْ حَالُ الْقَاتِلِ وَلَكِنْ ظَهَرَتْ حَالَةٌ خَفِيَّةٌ فِيهِ تَحَوَّلَتْ الْجِنَايَةُ إلَى الْأُخْرَى وَقَعَ الْقَضَاءُ بِهَا أَوْ لَمْ يَقَعْ، وَذَلِكَ مِثْلُ دَعْوَةِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَوَلَدِ الْمُكَاتَبِ إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَفَاءٍ وَأَمَرَ الرَّجُلُ الصَّبِيَّ بِالْجِنَايَةِ، وَلَوْ لَمْ يَتَبَدَّلْ حَالُ الْجَانِي وَلَمْ تَظْهَرْ فِيهِ الْحَالَةُ الْخَفِيَّةُ وَلَكِنَّ الْعَاقِلَةَ تَبَدَّلَتْ كَانَ الِاعْتِبَارُ فِي ذَلِكَ لِوَقْتِ الْقَضَاءِ لَا غَيْرُ فَإِنْ قَضَى بِهَا عَلَى الْأُولَى لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى الثَّانِيَةِ وَإِلَّا قَضَى بِهَا عَلَى الثَّانِيَةِ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ دِيوَانِ أَهْلِ الْكُوفَةِ ثُمَّ جُعِلَ مِنْ دِيوَانِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا وَلَكِنْ لَحِقَ الْعَاقِلَةَ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ اشْتَرَكُوا فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَبَعْدَهُ إلَّا فِيمَا سَبَقَ أَدَاؤُهُ فَمَنْ أَحْكَمَ هَذَا الْأَصْلَ وَتَأَمَّلَ فِيهِ أَمْكَنَهُ تَخْرِيجُ الْمَسَائِلِ وَرَدُّ كُلِّ وَاقِعَةٍ مِنْ النَّظَائِرِ وَالْأَضْدَادِ إلَى أَصْلِهَا، وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى الرَّشَادِ وَهُوَ الْمُوَفِّقُ لِلْعِبَادِ وَيَشْرَحُ صُدُورَهُمْ لِلسَّدَادِ.

[كِتَابُ الْوَصَايَا]

(كِتَابُ الْوَصَايَا) الْإِيصَاءُ لُغَةً طَلَبُ شَيْءٍ مِنْ غَيْرِهِ لِيَفْعَلَهُ عَلَى غَيْبٍ مِنْهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ وَفِي الشَّرْعِ مَا ذَكَرَهُ فِي.

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَة فَعَلَى مِنْ تجب الدِّيَة]

قَوْلُهُ قَضَى بِهَا أَوْ لَمْ يَقْضِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مَوْلًى لِقَوْمِ أَبِيهِ عِنْدَ عِتْقِ أَبِيهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ الْأَبُ مِنْ أَهْلِ الْوَلَاءِ يَوْمَئِذٍ وَالْجِنَايَةُ قَدْ تَقَدَّمَتْ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا يَسْتَقِيمُ إلْزَامُهَا عَلَى قَوْمِ الْأَبِ وَلَمْ يَكُنْ مَوْلًى لَهُمْ وَقْتَ الْجِنَايَةِ. اهـ. غَايَةٌ

(كِتَابُ الْوَصَايَا).

<<  <  ج: ص:  >  >>