للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَبْلَ الْإِجَازَةِ، وَكَذَا إذَا أَوْصَى لِلْجَنِينِ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ اسْتِحْسَانًا لِعَدَمِ مَنْ يَلِي عَلَيْهِ حَتَّى يَقْبَلَ عَنْهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمَدْيُونِ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِمَا لَهُ)؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَهَمُّ لِكَوْنِهِ فَرْضًا وَالْوَصِيَّةُ بِغَيْرِ الْوَاجِبِ تَبَرُّعٌ وَبِالْوَاجِبِ وَإِنْ كَانَ فَرْضًا لَكِنَّ حَقَّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ وَحَقُّ الشَّارِعِ مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهِ يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ بِهِ كَالتَّبَرُّعِ، وَقَالَ «عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّكُمْ تَقْرَءُونَ الْوَصِيَّةَ قَبْلَ الدَّيْنِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْدَأُ بِالدَّيْنِ».

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالصَّبِيُّ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَصِحُّ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ إذَا كَانَ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَجَازَ وَصِيَّةَ يَافِعٍ وَهُوَ الَّذِي رَاهَقَ الْحُلُمَ، وَلِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لَهُ بِتَحْصِيلِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ لَمْ يَنْفُذْ يَبْقَى مِلْكًا لِغَيْرِهِ وَلَا نَظَرَ لَهُ فِيهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ التَّبَرُّعِ حَالَ حَيَاتِهِ لِلنَّظَرِ لَهُ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِمَالِهِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ يَنْعَكِسُ النَّظَرُ فَتَنْفُذُ، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَالصَّبِيُّ فِي الْإِرْثِ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَالْبَالِغِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ وَلَنَا أَنَّهَا تَبَرُّعٌ فَلَا تَصِحُّ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ عَقْلِهِ فِي النَّفْعِ وَالضُّرِّ بِاعْتِبَارِ أَوْضَاعِ التَّصَرُّفَاتِ لَا بِاعْتِبَارِ مَا يُتَّفَقُ بِحُكْمِ الْحَالِ، أَلَا تَرَى أَنَّ طَلَاقَهُ لَا يَقَعُ وَإِنْ تَضَمَّنَ نَفْعًا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مُلْزِمٍ وَتَصْحِيحَ وَصِيَّتِهِ يُؤَدِّي إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ قَوْلَهُ مُلْزِمٍ وَالْأَثَرُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْبُلُوغِ فَسُمِّيَ يَافِعًا مَجَازًا وَلِهَذَا لَمْ يَسْتَفْسِرْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ وَصِيَّتَهُ كَانَتْ فِي الْقُرْبِ أَوْ غَيْرِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّ وَصِيَّتَهُ كَانَتْ فِي تَجْهِيزِهِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَهُوَ يُحْرِزُ الثَّوَابَ بِالتَّرْكِ عَلَى وَرَثَتِهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ فِيهَا النَّفْعُ، وَكَذَا إذَا أَوْصَى ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ لَمْ تَجُزْ تِلْكَ الْوَصِيَّةُ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَقْتَ الْمُبَاشَرَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ إذَا أَدْرَكْت فَثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَصِيَّةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِقَوْلٍ مُلْزِمٍ فَلَا يَمْلِكُهُ تَنْجِيزًا وَلَا تَعْلِيقًا كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ أَهْلِيَّتَهُمَا كَامِلَةٌ، وَإِنَّمَا مُنِعَا لِحَقِّ الْمَوْلَى فَتَصِحُّ إضَافَتُهُمَا إلَى حَالِ سُقُوطِ حَقِّ الْمَوْلَى بِأَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ أُعْتِقْت فَثُلُثُ مَالِي وَصِيَّةٌ لِفُلَانٍ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُكَاتَبُ) أَيْ لَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبَرُّعٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ وَصِيَّةَ الْمُكَاتَبِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ بِعَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ حَقِيقَةً فَلَا تَصِحُّ كَمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِ غَيْرِهِ ثُمَّ مَلَكَهُ، وَلَوْ أَجَازَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ جَازَتْ عَلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ إنْشَاءٌ لِلْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ بِلَفْظَةِ الْإِجَارَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَجَازَ الْعِتْقَ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَجُوزُ بِلَفْظَةِ الْإِجَازَةِ وَقِسْمٌ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ مَا إذَا أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إلَى مَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِأَنْ قَالَ إذَا أُعْتِقْت فَثُلُثُ مَالِي وَصِيَّةٌ لِفُلَانٍ أَوْ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لَهُ حَتَّى لَوْ عَتَقَ قَبْلَ الْمَوْتِ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ.

؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ حَقِيقَةً لَمْ يُوجَدْ إذْ لَمْ تَثْبُتْ الْحُرِّيَّةُ لَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ نَفَاذِ الْوَصِيَّةِ وَقِسْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ عَتَقَ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا جَائِزَةٌ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ نَوْعَيْ مِلْكٍ: حَقِيقِيٌّ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَمَجَازِيٌّ وَهُوَ مَا قَبْلَ الْعِتْقِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْصَرِفُ إلَى الْمُجَازِي؛ لِأَنَّهُ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ وَالْآخَرُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ عَلَى الْعَدَمِ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ اللَّفْظُ وَعِنْدُهُمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ مَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ الْمُطْلَقَةِ؛ لِأَنَّهُ الْقَابِلُ لِهَذَا الْحُكْمِ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ أَوْ يَتَنَاوَلُ النَّوْعَيْنِ فَتَصِحُّ فِيمَا يُقْبَلُ وَلَا تَصِحُّ فِيمَا لَا يُقْبَلُ.

كَمَا إذَا قَالَ الْحُرُّ كُلُّ عَبْدٍ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ فَيَعْتِقُ مَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ وَلَا يَعْتِقُ الْآخَرُ وَتَنْحَلُّ بِهِ الْيَمِينُ حَتَّى إذَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَعْتِقُ هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ قَالَ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِثْلَ مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِ الْحِنْثِ فِي مِلْكِ الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ مِنْ أَيْمَانِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَهِيَ مَا إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا إذَا أُعْتِقْت فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ يَصِحُّ وَيَعْتِقُ إذَا مَلَكَ عَبْدَ الْعِتْقِ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَأُعْتِقَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ وَصِيَّة الْمَدْيُون]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمَدْيُونِ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِمَا لَهُ) إلَّا أَنْ يُبَرِّئَ الْغُرَمَاءُ الْمُوصِيَ مِنْ الدَّيْنِ فَحِينَئِذٍ تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ فِي الثُّلُثِ أَوْ فِي أَكْثَرَ مِنْهُ عَلَى تَقْدِيرِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ أَوْ عَدَمِهَا لِعَدَمِ الْمَانِعِ وَهُوَ الدَّيْنُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مُقَدَّمَةً عَلَيْهِ فِي الذِّكْرِ فِي قَوْله تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١٢]. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْدَأُ بِالدَّيْنِ) أَيْ يَقُولُ الدَّيْنُ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ فِي الْآيَةِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا ثُمَّ هُمَا جَمِيعًا مُقَدَّمَانِ عَلَى الْمِيرَاثِ اهـ قَالَ فِي الْكَشَّافِ فَإِنْ قُلْت لِمَ قُدِّمَتْ الْوَصِيَّةُ عَلَى الدَّيْنِ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا فِي الشَّرِيعَةِ قُلْت لَمَّا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مُشْبِهَةً لِلْمِيرَاثِ فِي كَوْنِهَا مَأْخُوذَةً مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ كَانَ إخْرَاجُهَا مِمَّا يَشُقُّ عَلَى الْوَرَثَةِ وَلَا تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ بِهَا فَكَانَ أَدَاؤُهَا مَظِنَّةً لِلتَّفْرِيطِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِنَّ النُّفُوسَ مُطْمَئِنَّةٌ إلَى أَدَائِهِ فَلِذَلِكَ قُدِّمَتْ عَلَى الدَّيْنِ بَعْثًا عَلَى الْمُسَارَعَةِ إلَى إخْرَاجِهَا مَعَ الدَّيْنِ وَلِذَلِكَ جِيءَ بِكَلِمَةِ أَوْ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْوُجُوبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

[وَصِيَّة الصَّبِيّ]

(قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهَا تَبَرُّعٌ) مَحْضٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ) أَيْ إذَا قَالَ إنْ أُعْتِقْت ثُمَّ مِتّ فَثُلُثِي لِفُلَانٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِأَنْ يَقُولَ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>