للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ وَارِثٌ عِنْدَهُ فَيَمْتَنِعُ وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ هِيَ فِي الْمَرَضِ كَالْوَصِيَّةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُنَجَّزَةً صُورَةً فَهِيَ كَالْمُضَافِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا يَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْمَوْتِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَبْطُلُ بِالدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ وَلَا تَجُوزُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَالْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَالْهِبَةَ تَقَعُ لَهُ وَهُوَ وَارِثٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَلَا تَجُوزُ كَالْوَصِيَّةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُقْعَدُ وَالْمَفْلُوجُ وَالْأَشَلُّ وَالْمَسْلُولُ إنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَخَفْ مِنْهُ الْمَوْتَ فَهِبَتُهُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ)؛ لِأَنَّهُ إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ صَارَ طَبْعًا مِنْ طِبَاعِهِ كَالْعَمَى وَالْعَرَجِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ مَرَضُ الْمَوْتِ وَمَرَضُ الْمَوْتِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَوْتِ غَالِبًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَوْتِ غَالِبًا إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَزْدَادُ حَالًا فَحَالًا إلَى أَنْ يَكُونَ آخِرُهُ الْمَوْتَ. وَأَمَّا إذَا اسْتَحْكَمَ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يَزْدَادُ وَلَا يَخَافُ مِنْهُ الْمَوْتَ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَوْتِ كَالْعَمَى وَنَحْوِهِ إذْ لَا يَخَافُ مِنْهُ وَلِهَذَا لَا يُشْتَغَلُ بِالتَّدَاوِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا فَمِنْ الثُّلُثِ) أَيْ إنْ لَمْ يَتَطَاوَلْ يُعْتَبَرُ تَصَرُّفُهُ مِنْ الثُّلُثِ إذَا كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ وَمَاتَ مِنْهُ فِي أَيَّامِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ابْتِدَائِهِ يَخَافُ مِنْهُ الْمَوْتَ وَلِهَذَا يَتَدَاوَى فَيَكُونُ مَرَضَ الْمَوْتِ وَإِنْ صَارَ صَاحِبَ فِرَاشٍ بَعْدَ التَّطَاوُلِ فَهُوَ كَمَرَضٍ حَادِثٍ بِهِ حَتَّى تُعْتَبَرَ تَبَرُّعَاتُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ]

(بَابُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تَحْرِيرُهُ فِي مَرَضِهِ وَمُحَابَاتُهُ وَهِبَتُهُ وَصِيَّةٌ) أَيْ حُكْمُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ كَحُكْمِ الْوَصِيَّةِ حَتَّى تُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَمُزَاحَمَةُ أَصْحَابِ الْوَصَايَا فِي الضَّرْبِ لَا حَقِيقَةِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مُنْجَزَةٌ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ مِنْ الثُّلُثِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ فَصَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي حَقِّ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ، وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ ابْتَدَأَ الْمَرِيضُ إيجَابَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَالضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَكُلُّ مَا أَوْجَبَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ أَوْجَبَهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ إذَا الْمُعْتَبَرُ حَالَةُ الْإِضَافَةِ لَا حَالَةُ الْعَقْدِ وَمَا نَفَّذَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ كَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ حَالَةُ الْعَقْدِ فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ وَكُلُّ مَرَضٍ بَرَأَ مِنْهُ فَهُوَ مُلْحَقٌ بِحَالِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ إلَّا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَبِالْبُرْءِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَرَضِ الْمَوْتِ فَلَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِي مَالِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَسْعَ إنْ أُجِيزَ) أَيْ إذَا أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَهِيَ تَجُوزُ بِأَزْيَدَ مِنْ الثُّلُثِ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لَحِقَهُمْ فَيَسْقُطُ بِالْإِجَازَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ حَابَى فَحَرَّرَ فَهِيَ أَحَقُّ وَبِعَكْسِهِ اسْتَوَيَا) أَيْ إذَا حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ فَالْمُحَابَاةُ أَوْلَى وَإِنْ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى فَهُمَا سَوَاءٌ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِعَكْسِهِ اسْتَوَيَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُمَا سَوَاءٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْوَصَايَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْوَصَايَا يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ فِي الثُّلُثِ لَا يُقَدَّمُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ إلَّا الْعِتْقَ الْمُوقَعَ فِي الْمَرَضِ وَالْعِتْقَ الْمُعَلَّقَ بِمَوْتِ الْمُوصِي كَالتَّدْبِيرِ الصَّحِيحِ سَوَاءٌ كَانَ مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا وَالْمُحَابَاةُ فِي الْمَرَضِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إذَا مِتّ فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَا يَكُونُ مُنَفَّذًا عَقِيبَ الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى التَّنْفِيذِ فَهُوَ فِي الْمَعْنَى أَسْبَقُ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَى تَنْفِيذِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالتَّرْجِيحُ يَقَعُ بِالسَّبْقِ.

لِأَنَّ مَا يَنْفُذُ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ تَنْفِيذٍ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الدُّيُونِ فَإِنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ يَنْفَرِدُ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ إذَا ظَفَرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ وَفِي هَذِهِ الْأَشْيَاءُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِنَفْسِ الْمَوْتِ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ فَكَذَا الْحَقُّ الَّذِي فِي مَعْنَاهُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْوَصَايَا قَدْ تَسَاوَتْ فِي السَّبَبِ وَالتَّسَاوِي فِيهِ يُوجِبُ التَّسَاوِي فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ الْعِتْقَ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ وَالْمُحَابَاةُ يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّقْدِيمِ فِي الذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ التَّقْدِيمَ فِي الثُّبُوتِ إلَّا إذَا اتَّحَدَ الْمُسْتَحَقُّ وَاسْتَوَتْ الْحُقُوقُ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ إنَّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

بَابُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ) لَمَّا كَانَ الْإِعْتَاقُ فِي الْمَرَضِ فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ لِوُقُوعِهِ تَبَرُّعًا فِي زَمَانِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا وَلَكِنْ أَخَّرَهُ عَمَّا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْوَصِيَّةِ لِكَوْنِ الصَّرِيحِ هُوَ الْأَصْلُ فِي الدَّلَالَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ) لِمَا أَنَّهُ يُتَّهَمُ فِي إيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا يُتَّهَمُ فِي الْهِبَةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَقَالَا هُمَا سَوَاءٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ) تَبِعَهُ فِيهِ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِهِ وَقَالَا الْعِتْقُ أَوْلَى فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَفِي أَثْنَاءِ كَلَامِ الشَّارِحِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ أَوْلَى عِنْدَهُمَا فَقَالَ فِي أَوَاخِرِ هَذِهِ الصَّفْحَةِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ الْعِتْقَ أَقْوَى وَقَالَ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ فِي آخِرِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَعِنْدَهُمَا الْعِتْقُ أَوْلَى فِي الْكُلِّ فَتَنَبَّهْ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ صَوَابُهُ وَقَالَا الْعِتْقُ أَوْلَى فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا) أَيْ فِي فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ) مِثْلَ أَنْ يُوصِيَ بِالرُّبُعِ وَالسُّدُسِ لَا يُقَدِّمُ الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئٍ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَالْمُحَابَاةُ فِي الْمَرَضِ) أَيْ الْمُحَابَاةُ فِي الْبَيْعِ إذَا وَقَعَتْ فِي الْمَرَضِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَاسْتَوَتْ الْحُقُوقُ) كَمَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الْقُرْبِ وَأَبْوَابُ الْخَيْرِ لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهَا إذَا اسْتَوَتْ يُقَدِّمُ مَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي لِلِاسْتِوَاءِ وَاتِّحَادِ الْمُسْتَحَقِّ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>