للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زَادَ فِي الثَّمَرَةِ لَفْظَةَ أَبَدًا صَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ شَيْءٍ حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْمَوْجُودَ وَمَا سَيُوجَدُ فِيهِمَا فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّمَرَةَ اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ عُرْفًا فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا بِدَلَالَةٍ زَائِدَةٍ، مِثْلُ التَّنْصِيصِ عَلَى الْأَبَدِ إذْ لَا يَتَأَبَّدُ إلَّا بِتَنَاوُلِ الْمَعْدُومِ وَالْمَعْدُومُ مَذْكُورٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا أَمَّا الْغَلَّةُ فَتَنْتَظِمُ الْمَوْجُودَ وَمَا يَكُونُ بِعَرَضِ الْوُجُودِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى عُرْفًا يُقَالُ فُلَانٌ يَأْكُلُ مِنْ غَلَّةِ بُسْتَانِهِ وَمِنْ غَلَّةِ أَرْضِهِ وَدَارِهِ فَإِذَا أُطْلِقَتْ تَنَاوَلَ الْمَوْجُودَ وَالْمَعْدُومَ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى دَلَالَةٍ أُخْرَى. وَأَمَّا الثَّمَرَةُ فَإِذَا أُطْلِقَتْ يُرَادُ بِهَا الْمَوْجُودُ وَلَا تَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا بِدَلِيلٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبُسْتَانِ ثَمَرَةٌ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ الْغَلَّةِ فِي تَنَاوُلِهَا الثَّمَرَةَ الْمَعْدُومَةَ مَا عَاشَ الْمُوصَى لَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ حَقِيقَةً وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا مَجَازًا فَإِذَا كَانَ فِي الْبُسْتَانِ ثَمَرَةٌ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي صَارَ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَجَازَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ثَمَرَةٌ يَتَنَاوَلُ الْمَجَازَ وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ لَفْظَ الْأَبَدِ تَنَاوَلَهُمَا عَمَلًا بِعُمُومِ الْمَجَازِ لَا جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِصُوفِ غَنَمِهِ وَوَلَدِهَا وَلَبَنِهَا لَهُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ مَوْتِهِ قَالَ أَبَدًا أَوْ لَا) أَيْ إذَا أَوْصَى بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَانَ لَهُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ مَا سَيَحْدُثُ بَعْدَ مَوْتِهِ سَوَاءٌ قَالَ أَبَدًا أَوْ لَمْ يَقُلْ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ وُجُودُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عِنْدَهُ فَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ لَكِنْ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الْغَلَّةِ الْمَعْدُومَةِ وَالثَّمَرَةِ الْمَعْدُومَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ لِأَنَّهَا تُسْتَحَقُّ بِغَيْرِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْعُقُودِ كَالْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ فَلَأَنْ تُسْتَحَقَّ بِالْوَصِيَّةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَوْسَعُ بَابًا مِنْ غَيْرِهَا، وَكَذَا الصُّوفُ عَلَى الظَّهْرِ وَاللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ وَالْوَلَدُ الْمَوْجُودُ فِي الْبَطْنِ يُسْتَحَقُّ بِجَمِيعِ الْعُقُودِ تَبَعًا وَبِالْخُلْعِ مَقْصُودًا فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا الْمَعْدُومُ مِنْهَا فَلَا يُسْتَحَقُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْعُقُودِ فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ ثُمَّ مَسَائِلُ هَذَا الْبَابِ عَلَى وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ إنْ ذَكَرَ الْأَبَدَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ كَالْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالْغَلَّةِ وَالثَّمَرَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبُسْتَانِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَرَةِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَمِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ دُونَ الْمَعْدُومِ ذَكَرَ الْأَبَدَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ كَالْوَصِيَّةِ بِاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ وَالْوَلَدِ فِي الْبَطْنِ وَمِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى الْمَعْدُومِ وَالْمَوْجُودِ إنْ ذَكَرَ الْأَبَدَ وَإِلَّا فَعَلَى الْمَوْجُودِ فَقَطْ كَالْوَصِيَّةِ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(بَابُ وَصِيَّةِ الذِّمِّيِّ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ذِمِّيٌّ جَعَلَ دَارِهِ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً فِي صِحَّتِهِ فَمَاتَ فَهِيَ مِيرَاثٌ)؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْوَقْفُ عِنْدَهُ لَا يَلْزَمُ فَيُورَثُ فَكَذَا هَذَا. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ هَذَا مَعْصِيَةٌ فَلَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ قُرْبَةً فِي مُعْتَقَدِهِمْ بَقِيَ إشْكَالٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ أَنَّ هَذَا عِنْدَهُمْ كَالْمَسْجِدِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْمَسْجِدَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الذِّمِّيُّ فِيهَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ عِنْدَهُ يُتْرَكُونَ وَمَا يَعْتَقِدُونَ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ مُحَرَّرٌ عَنْ حُقُوقِ النَّاسِ وَصَارَ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا كَذَلِكَ الْبِيعَةُ فِي مُعْتَقَدِهِمْ فَإِنَّهَا لِمَنَافِعِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْكُنُونَ فِيهَا وَيَدْفِنُونَ فِيهَا مَوْتَاهُمْ فَلَمْ تَصِرْ مُحَرَّرَةً عَنْ حُقُوقِهِمْ فَكَانَ مِلْكُهُ فِيهَا ثَابِتًا وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُورَثُ الْمَسْجِدُ أَيْضًا عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَوْصَى بِذَلِكَ لِقَوْمٍ مُسَمَّيْنَ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِأَنْ تُبْنَى دَارُهُ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً لِنَاسٍ مُعَيَّنِينَ فَهُوَ جَائِزٌ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَلَا تَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا بِدَلِيلٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ فَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ أَوْ بِثَمَرَةِ أَرْضِهِ يُنْظَرُ إنْ ذَكَرَ لَفْظَ الْأَبَدِ وَقَعَ عَلَى الْحَادِثِ وَالْمَوْجُودِ جَمِيعًا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْأَبَدَ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ ثَمَرَةٌ مَوْجُودَةٌ فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى تِلْكَ الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ثَمَرَةٌ مَوْجُودَةٌ فَالْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الصُّوفِ وَاللَّبَنِ وَالْوَلَدِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَقَعُ عَلَى الْحَادِثِ وَيَصِيرُ كَمَا لَوْ ذَكَرَ الْأَبَدَ وَالْمُوصَى لَهُ مَا دَامَ حَيًّا فَمَا يَحْدُثُ مِنْ الثِّمَارِ يَكُونُ لَهُ وَإِذَا مَاتَ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ وَعَادَ إلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَالثِّمَارُ الْقَائِمَةُ تَكُونُ مَوْرُوثَةً عَنْهُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِصُوفِ غَنَمِهِ إلَخْ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ نُكَتِ الْوَصَايَا وَلَوْ أَوْصَى بِصُوفِ غَنَمِهِ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ إذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا صُوفٌ وَقْتَ مَوْتِ الْمُوصِي لِأَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ فَكَذَلِكَ تَجُوزُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ وَلَوْ أَوْصَى بِالصُّوفِ الَّذِي يَحْدُثُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَيْسَ الصُّوفُ وَاللَّبَنُ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرَةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ.

[بَابُ وَصِيَّةِ الذِّمِّيِّ لِلذِّمِّيِّ]

(بَابُ وَصِيَّةُ الذِّمِّيِّ) لَمَّا ذَكَرَ وَصِيَّةَ الْمُسْلِمِ ذَكَرَ وَصِيَّةَ الذِّمِّيِّ بَعْدَهُ لِأَنَّ الْكُفَّارَ مُلْحَقُونَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي أَحْكَامِ الْمُعَامَلَاتِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ذِمِّيٌّ جَعَلَ دَارِهِ إلَخْ) مَعْنَاهُ جَعَلَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ لَهُمْ إحْدَاثُ الْبِيَعِ فِيهِ كَالْقُرَى وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا صَنَعَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ فَهِيَ مِيرَاثٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا وَلَكِنْ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْمَذْهَبَيْنِ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ مُسْلِمًا لَوْ وَقَفَ أَرْضًا فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ صَارَ مِيرَاثًا فَكَذَلِكَ هَذَا لِأَنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ بِلَازِمٍ حَالَ الْحَيَاةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُضَافًا لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَإِنَّمَا يُورَثُ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ بِمَا لَا يَكُونُ قُرْبَةً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ لِنَاسٍ مُعَيَّنِينَ) أَيْ يُحْصَى عَدَدُهُمْ. اهـ. (قَوْلُهُ فَهُوَ جَائِزٌ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ اهـ غَايَةٌ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ آخِرَ الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>