للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَقَرَّ بِهِ، وَلَسْت بِمُبْطِلٍ فِيمَا تَدَّعِيهِ عَلَيْهِ) مِنْ الْإِقْرَارِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ، وَعِنْدَهُمَا يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ الْمُقَرِّ بِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ شَرْعًا فَلَا يُصَارُ مَعَهُ إلَى الْيَمِينِ كَالْبَيِّنَةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ احْتِمَالَ الْكَذِبِ فِيهِ أَبْعَدُ لِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ الصَّكَّ إذَا أَرَادُوا الِاسْتِدَانَةَ قَبْلَ الْأَخْذِ ثُمَّ يَأْخُذُونَ الْمَالَ فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ دَلِيلًا عَلَى اعْتِبَارِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَحْلِفُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِتَغْيِيرِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَكَثْرَةِ الْخِدَاعِ وَالْخِيَانَاتِ، وَهُوَ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ، وَالْمُدَّعِي لَا تَضُرُّهُ الْيَمِينُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَيُصَارُ إلَيْهِ

[قَالَ لِآخِرِ وكلتك ببيع هَذَا فسكت]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَوْ قَالَ لِآخَرَ وَكَّلْتُك بِبَيْعِ هَذَا فَسَكَتَ صَارَ وَكِيلًا) لِأَنَّ سُكُوتَهُ وَعَدَمَ رَدِّهِ مِنْ سَاعَتِهِ دَلِيلُ الْقَبُولِ عَادَةً، وَنَظِيرُهُ هِبَةُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَإِنَّهُ إذَا سَكَتَ صَحَّتْ الْهِبَةُ، وَسَقَطَ الدَّيْنُ لِمَا بَيَّنَّا، وَإِنْ قَالَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا أَقْبَلُ بَطَلَ وَبَقِيَ الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ جَعَلْتُ أَرْضِي عَلَيْكَ وَقْفًا فَسَكَتَ صَحَّ، وَلَوْ قَالَ لَا أَقْبَلُ بَطَلَ، وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ الْوَقْفُ لَا يَبْطُلُ بِقَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ لِأَنَّهُ وَقَعَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ يَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَقَفْت دَارِي

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَّلَهَا بِطَلَاقِهَا لَا يَمْلِكُ عَزْلَهَا) لِأَنَّهُ يَمِينٌ مِنْ جِهَتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْيَمِينِ، وَهُوَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِفِعْلِهَا فَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي الْيَمِينِ، وَهُوَ تَمْلِيكٌ مِنْ جِهَتِهَا لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ، وَهِيَ عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا فَلَا تَكُونُ وَكِيلَةً بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَّلْتُكَ بِكَذَا عَلَى أَنِّي مَتَى عَزَلْتُكَ فَأَنْتَ وَكِيلِي يَقُولُ فِي عَزْلِهِ عَزَلْتُك ثُمَّ عَزَلْتُك) أَيْ ثُمَّ يَقُولُ عَزَلْتُك لِأَنَّ الْوَكَالَةَ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ فَيَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالْعَزْلِ عَنْ الْوَكَالَةِ فَإِذَا عَزَلَهُ انْعَزَلَ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُنَجَّزَة وَتَنَجَّزَتْ الْمُعَلَّقَةُ فَصَارَ وَكِيلًا جَدِيدًا ثُمَّ بِالْعَزْلِ الثَّانِي انْعَزَلَ عَنْ الْوَكَالَةِ الثَّانِيَةِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا عَزَلْتُكَ فَأَنْتَ وَكِيلِي يَقُولُ رَجَعْتُ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ، وَعَزَلْتُكَ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُنَجَّزَةِ) لِأَنَّهُ لَوْ عَزَلَهُ عَنْ الْمُنَجَّزَةِ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ لَصَارَ وَكِيلًا مِثْلَ مَا كَانَ وَلَوْ عَزَلَهُ أَلْفَ مَرَّةٍ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلَّمَا تَقْتَضِي تَكْرَارَ الْأَفْعَالِ لَا إلَى نِهَايَةٍ فَلَا يُفِيدُ الْعَزْلَ إلَّا بَعْدَ الرُّجُوعِ حَتَّى لَوْ عَزَلَهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْمُعَلَّقَةِ يَحْتَاجُ إلَى عَزْلٍ آخَرَ لِأَنَّهُ كَمَا عَزَلَهُ صَارَ وَكِيلًا فَلَا يُفِيدُ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الْمُعَلَّقَةِ فِي حَقِّهَا لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى عَزْلٍ آخَرَ بَعْدَ الرُّجُوعِ، وَقِيلَ يَقُولُ فِي عَزْلِهِ كُلَّمَا وَكَّلْتُك فَأَنْتَ مَعْزُولٌ لِأَنَّهُ كَمَا صَارَ وَكِيلًا انْعَزَلَ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُهُ بِذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَهَذَا لَا يُفِيدُ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ انْعَزَلَ كُلَّمَا تَوَكَّلَ لِأَجْلِ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ بِتَوْكِيلٍ أَيْضًا كُلَّمَا انْعَزَلَ لِأَجْلِ الْيَمِينِ الْأُولَى فَيَبْقَى دَائِمًا وَكِيلًا مُنْعَزِلًا فَلَا يَنْقَطِعُ إلَّا بِالرُّجُوعِ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَبْضُ بَدَلِ الصُّلْحِ شَرْطٌ إنْ كَانَ دَيْنًا بِدَيْنٍ) بِأَنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى دَرَاهِمَ عَنْ دَنَانِيرَ أَوْ عَنْ شَيْءٍ آخَرَ فِي الذِّمَّةِ لِأَنَّهُ مَتَى وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ الدَّائِنُ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ، وَهُوَ مَالٌ يُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ فَإِذَا حُمِلَ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ صَارَ صَرْفًا أَوْ بَيْعًا، وَفِيهِ لَا يَجُوزُ الِافْتِرَاقُ عَنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ «لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ»، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَغَيْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ دَيْنًا بِدَيْنٍ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ لِأَنَّ الصُّلْحَ إذَا وَقَعَ عَلَى عَيْنٍ مُتَعَيِّنٍ لَا يَبْقَى دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَجَازَ الِافْتِرَاقُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَالَ الرِّبَا كَمَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى شَعِيرٍ بِعَيْنِهِ عَنْ حِنْطَةٍ فِي الذِّمَّةِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى صَبِيٍّ دَارًا فَصَالَحَهُ أَبُوهُ عَلَى مَالِ الصَّبِيِّ فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ جَازَ إنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ بِمَا يُتَغَابَنُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَوْ كَانَتْ غَيْرَ عَادِلَةٍ لَا) لِأَنَّهُ مَتَى كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، وَكَانَ الصُّلْحُ عَلَى مِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ بِقَدْرِ مَا يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ كَانَ لِلصَّبِيِّ فِيهِ مَنْفَعَةٌ، وَهِيَ سَلَامَةُ الْعَيْنِ لَهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَالِحْ يَسْتَحِقُّهُ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ فَيَأْخُذُهُ فَيَكُونُ هَذَا الصُّلْحُ مِنْ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ مِنْ الْمُدَّعِي فَيُقَيَّدُ بِالْمِثْلِ، وَبِقَدْرِ مَا يُتَغَابَنُ فِيهِ عَادَةً لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ أَوْ كَانَتْ غَيْرَ عَادِلَةٍ صَارَ الْأَبُ مُتَبَرِّعًا بِمَالِ الصَّبِيِّ بِالصُّلْحِ لَا مُشْتَرِيًا لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُدَّعِي شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لَوْلَا الصُّلْحُ فَلَا مَنْفَعَةَ لِلصَّبِيِّ فِي هَذَا الصُّلْحِ بَلْ فِيهِ ضَرَرٌ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: ١٥٢] وَإِنْ كَانَ الْأَبُ هُوَ الْمُدَّعِي لِلصَّغِيرِ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ وهبت مهرها لزوجها فَمَاتَتْ فطالب ورثتها بِهِ وقالوا كَانَتْ الْهِبَة فِي مَرَض موتها]

قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ جَعَلْتُ أَرْضِي إلَخْ) قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ أَقَرَّ بِمِلْكٍ لِرَجُلٍ فَصَدَّقَهُ يَمْلِكُهُ ظَاهِرًا أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا إنْ لَمْ يَسْبِقْ بَيْنَهُمَا مَا يُوجِبُ الْمِلْكَ وَفِي شَرْحِ بَكْرٍ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ الْمُقِرُّ الْمُقَرَّ بِهِ بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ فَيَكُونُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً وَفِي الْمُنْتَقَى لَك عَلَيَّ أَلْفٌ وَلَا يَعْلَمُ الْمُقَرُّ لَهُ بِذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَخْذُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا فَكَبُرَ وَفِي حِيلَ الْحَلْوَانِيِّ بِالْإِقْرَارِ كَاذِبًا هَلْ يَكُونُ نَاقِلًا لِلْمِلْكِ فِيهِ اخْتِلَافٌ.

وَفِي أَدَبِ الْقَاضِي ادَّعَى أَنَّ ذَا الْيَدِ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ لَهُ قِيلَ لَا تُسْمَعُ مَا لَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ مِلْكِي وَقَالَتْ الْعَامَّةُ تُسْمَعُ اعْتِبَارًا بِالشَّهَادَةِ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ مِلْكُهُ اهـ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يَقُولُ رَجَعْت عَنْ الْوَكَالَةِ إلَخْ) وَإِنَّمَا يَقُولُ رَجَعْت عَنْ الْوَكَالَةِ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ عِنْدَهُ الْعَزْلَ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا يَصِحُّ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ الْعَزْلُ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنْ يَقُولَ عَزَلْتُك عَنْ هَذِهِ الْوَكَالَاتِ فَيَنْصَرِفُ الْحَجْرُ ذَلِكَ إلَى الْمُعَلَّقِ وَالْمُنَجَّزِ. اهـ. فَتَاوَى قَاضِيخَانْ

<<  <  ج: ص:  >  >>